وإن أريد مطلق الكون فيها فمقارنة ﴿فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ الفاء عطف على فاء التعقيب واللام للتأكيد تجري مجرى القسم والمثوى المنزل والمقام والمخصوص بالذم محذوف وهو جهنم، والمعنى بالفارسية :(س هر آينه بد مقامي وبد آرامكاهيست متكبرانرا جهنم) وذكرهم بعنوان الكبر للإشعار بعليته لثوآئهم فيها أي : إقامتهم والمراد المتكبر عن التوحيد أو كل متكبر من المشركين والمسلمين.
قال حضرة الشيخ على السمرقندي قدس سره في تفسيره المسمى "بحر العلوم" التكبر ينقسم على ثلاثة أقسام.
التكبر على الله وهو أخبث أنواع الكبر وأقبحها وما منشأه إلا الجهل المحض.
ثم التكبر على الرسل من تعزز النفس وترفعها عن الانقياد لبشر مثل سائر الناس وهذا كالتكبر على الله تعالى في القيامة واستحقاق العذاب السرمدي.
والثالث التكبر على العباد وهو بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فيأبى عن الانقياد لهم ويدعوه إلى الرفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويستنكف عن مساواتهم وهو أيضاً قبيح وصاحبه جاهل كبير يستأهل سخطاً عظيماً لو لم يتب وإن كان دون الأولين للدخول تحت عموم قوله :﴿مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ وأيضاً من تكبر على أحد من عباد الله فقد نازع الله في ردائه وفي صفة من صفاته.
قال أبو صالح حمدان بن أحمد القصار رحمة الله عليه : من ظن أن نفسه خير من نفس فرعون فقد أظهر الكبر، وفي "المثنوي" :
آنه در فرعون بوداندر توهست
ليك ازدرهات محبوس هست
آتشت را هيزم فرعون نيست
زانكه ون فرعون اوراعون نيست
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إن نوحاً عليه السلام لما حضرته الوفاة دعا ابنيه فقال : إني آمركما باثنين وأنهاكما عن اثنين آمركما بلا اله إلا الله فلو أن السموات السبع والأرضين السبع وضعن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن ولو أن السموات السبع والأرضين السبع حلقة مبهمة لقصمتهن لا إله إلا الله وآمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل نبي بها يرزق الخلق وأنهاكما عن الكفر والكبر".
﴿وَقِيلَ﴾ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨
ـ روي ـ أن أحياء العرب كانوا يبعثون أيام موسم الحج من يأتيهم بخبر النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا جاء الوافد كفه المقتسمون الذين اقتسموا طرق مكة وأمروه بالانصراف وقالوا : إن لم تلقه كان خيراً لك فإنه ساحر كاهن كذاب مجنون فيقول : أنا شر وافد إن رجعت إلى قومي دون أن أستطلع أمر محمد وأراه فيلقي أصحاب النبي عليه السلام فيخبرونه بصدقه فذلك قوله وقيل أي : من طرف الوافدين ﴿لِلَّذِينَ اتَّقَوْا﴾ عن الكفر والشرك وهم المؤمنون المخلصون ﴿مَّاذَآ﴾ أي : أي شيء فهو مفعول قوله :﴿أَنزَلَ رَبُّكُمْ﴾ على محمد ﴿قَالُوا﴾ في جوابه أنزل ﴿خَيْرًا﴾ وفي تطبيق الجواب بالسؤال إشارة إلى أن الإنزال واقع وأنه نبي حق.
قال الكاشفي :(مراد ازخير قر آنست كه جامع جميع خيرات ومستجمع مجموع حسنات وبركات اوست ونيكوهاي ديني ودنياي وخوبيهاي صوري ومعنوي ناشى ازو).
﴿لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا﴾ أعمالهم وقالوا : لا إله إلا الله محمد رسول الله فإنه أحسن الحسنات وهو كلام مستأنف جيىء به لمدح المتقين.
﴿فِى هَـاذِهِ﴾ الدار ﴿الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ أي : مثوبة حسنة مكافأة فيها بإحسانهم وهي عصمة
٢٩
الدماء والأموال واستحقاق المدح والثناء والظفر على الأعداء وفتح أبواب المكاشفات والمشاهدات الذي من أوتيه فقد فاز بالقدح المعلى.
وفي "التأويلات النجمية" يشير إلى أن من أحسن أعماله بالصالحات وأخلاقه بالحميدات وأحواله بالانقلاب عن الخلق إلى الخلق فله حسنة من الله وهو أن ينزله منازل الواصلين الكاملين في الدنيا ﴿وَلَدَارُ الاخِرَةِ﴾ أي : ولثوابهم فيها ﴿خَيْرٌ﴾ مما أوتوا في الدنيا من المثوبة أو دار الآخرة خير من الدنيا على الإطلاق فإن الآخرة كالجوهر والدنيا كالخزف وقيمة الجوهر أرفع من قيمة الخزف بل لا مناسبة بينهما أصلاً ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ (وتيكو سرابيست مرر هيز كارانرا سراي آخرت).
قال الحسن دار المتقين الدنيا لأنهم منها يتزودون للآخرة.
يقول الفقير فيه مدح للدنيا باعتبار أنها متاع بلاغ فإنها باعتبار أنها متاع الغرور مذمومة كما قال في "المثنوي".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨
يست دنيا ازخدا غافل شدن
تى قماش ونقر وميزان وزن
مال راكز بهر دين باشى حمول
نعم مال صالح خواندش ورسول
آب در كشتى هلاك كشتى است
آب اندر زير كشتى يشتى است
ونكه مال وملك را ازدل براند
زان سليمان خويش جز مسكين نخواند
كوزه يلاليته اندر آب رفت
از دل رباد فوق آب رفت
باد درويشي ودر باطن بود
بر سر آب جهان ساكن بود
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن للأتقياء الواصلين داراً غير دار الدنيا ودار الآخرة فدارهم مقعد الصدق في مقام العندية ونعم الدار.


الصفحة التالية
Icon