ومنها : أن يعلم أن الله تعالى يحفظ بصالح قوماً وقبيلة ويوصل بركاته إلى البطن السابع منه كما قال :﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـالِحًا﴾.
قال محمد بن المنكدر إن الله يحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وعشيرته والدويرات أي : أهلها حوله فلا يزالون في حفظ الله وستره.
وقال سعيد بن المسيب إني أصلي وأذكر ولدي فأزيد في صلاتي.
وصح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى :﴿وَكَانَ أَبُوهُمَا صَـالِحًا﴾ أنه قال : حفظا بصلاح أبيهما وما ذكر منهما صلاحاً فإذا نفع الأب الصالح مع أنه السابع كما قيل في الآية فما بالك بسيد الأنبياء والمرسلين بالنسبة إلى قرابته الطاهرة الطيبة المطهرة.
وقد قيل : إن حمام الحرم إنما أكرم لأنه من ذرية حمامتين عششتا على غار ثور الذي اختفى فيه النبي عليه السلام عند خروجه من مكة للهجرة كما في "الصواعق" لابن
٢٨٨
حجر.
وذكر أن بعض العلوية هم هارون الرشيد بقتله فلما دخل عليه أكرمه وخلى سبيله فقيل : بمَ دعوت حتى أنجاك الله منه؟ فقال : قلت : يا من حفظ الكنز على الصبيين لصلاح أبيهما احفظني لصلاح آبائي كما في "العرائس".
ومنها : ليتأدب المريد فيما استعمله الشيخ وينقاد له ولا يعمل إلا لوجه الله ولا يشوب عمله بطمع دنيوية وغرض نفساني ليحبط عمله ويقطع حبل الصحبة ويوجب الفرقة.
ومنها : أن الله تعالى يحفظ المال الصالح للعبد الصالح إذا كان فيه صلاح.
ليتحقق أن كل ما يجري على أرباب النبوة وأصحاب الولاية إنما يكون بأمر من أوامر الله ظاهراً وباطناً.
أما الظاهر فكحال الخضر كما قال :﴿وَمَا فَعَلْتُه عَنْ أَمْرِى﴾ أي : فعلته بأمر ربي.
وأما الباطن فكحال موسى واعتراضه على الخضر في معاملته ما كان خالياً عن أمر باطن من الله تعالى في ذلك لأنه كان اعتراضه على وفق شريعته.
ومنها : أن الصبر على أفاعيل المشايخ أمر شديد فإن زل قدم مريد صادق في أمر من أوامر الشيخ أو تطرق إليه إنكار على بعض أفعال المشايخ أو اعتراه اعتراض على بعض معاملاته أو أعوزه الصبر على ذلك فليعذره ويعف عنه ويتجاوز إلى ثلاث مرات فإن قال بعد الثالثة هذا فراق بيني وبينك يكون معذوراً ومشكوراً ثم ينبئه عن أفاعيله ويقول له ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً.
قال في "العوارف" ويحذر المريد الاعتراض على الشيخ ويزيل اتهام الشيخ عن باطنه في جميع تصاريفه فإنه السم القاتل للمريدين وقل أن يكون مريد يعترض على الشيخ بباطنه فيفلح ويذكر المريد في كل ما أشكل عليه من تصاريف الشيخ قصة موسى مع الخضر كيف كان يصدر من الخضر تصاريف ينكرها موسى ثم لما كشف له عن معناها بان لموسى وجه الصواب في ذلك فهكذا ينبغي للمريد أن يعلم أن كل تصرف أشكل عليه صحته من الشيخ عند الشيخ فيه بيان وبرهان للصحة انتهى، قال الحافظ :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٣
نصيحتي كنمت بشنو وبهانه مكير
هر آنكه ناصح مشفق بكويدت بذير
وينبغي أن يكون المرشد محققاً ومشفقاً لا مقلداً غير مشفق كيلا يضيع سعي من اقتدى به فإنه قيل :
إذا كان الغراب دليل قوم
سيهديهم إلى أرض الجياف
قال الحافظ :
دردم نهفته به زطبيبان مدعى
باشد كه ازخزانه غيبش دواكنند
قال الصائب :
ربي دردان علاج درد خودجستن بآن ماند
كه خاراز ابرون آرد كسى بانيش عقربها
ومنها : أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصيله مختلفة مثاله.
رجل عليه جرح لو سجد سال جرحه وإن لم يسجد لم يسل فإنه يصلي قاعداً يومي بالركوع والسجود لأن ترك الركوع والسجود أهون من الصلاة مع الحدث.
وشيخ لا يقدر على القراءة إن صلى قائماً ويقدر عليها إن صلى قاعداً يصلي قاعداً مع القراءة ولو صلى في الفصلين قائماً مع الحدث وترك القراءة لم يجز.
ورجل لو خرج إلى الجماعة لا يقدر على القيام ولو صلى في بيته صلى قاعداً صححه في "الخلاصة" وفي "شرح المنية" يصلي في بيته قائماً قال ابن نجيم وهو الأظهر ومن اضطر وعنده ميتة ومال الغير أكلها دونه.
ورجل قيل له
٢٨٩
لتلقين نفسك في النار أو من الجبل أو لأقتلنك وكان الإلقاء بحيث لا ينجو يختار ما هو الأهون في زعمه عند الإمام وعندهما يصبر حتى يقتل كذا في "الأشباه".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٨٣