﴿قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّى ءَايَةً﴾ الجعل إبداعي وقيل بمعنى التصيير أي : علامة على وقوع الحبل لا تلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حين حدوثها وهذا السؤال ينبغي أن يكون بعدما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روي أن يحيى كان أكبر من على أن تكلمهم بكلام الناس
٣١٧
مع القدرة على الذكر والتسبيح كما هو المفهوم من تخصيص الناس ﴿ثَلَـاثَ لَيَالٍ﴾ مع أيامهن للتصريح بها في سورة آل عمران ﴿سَوِيًّا﴾ حال من فاعل تكلم مفيد لكون انتفاء التكلم بطريق الاضطرار دون الاختيار أي : تمنع الكلام فلا تطيق به حال كونك سوى الخلق سليم الجوارح ما بك شائبة بكم ولا خرس قالوا : رجع تلك الليلة إلى امرأته فقربها ووقع الولد في رحمها فلما أصبح امتنع عليه الكلام الناس.
﴿فَخَرَجَ﴾ صبيحة حمل امرأته ﴿عَلَى قَوْمِه مِنَ الْمِحْرَابِ﴾ من المصلى أو من الغرفة وكانوا من وراء المحراب ينتظرون أن يفتح لهم الباب فيدخلوه ويصلوا إذ خرج عليهم متغيراً لونه فأنكروه صامتاً وقالوا : مالك يا زكريا ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ﴾ أي : أومأ إليهم لقوله تعالى :﴿إِلا رَمْزًا﴾ (آل عمران : ٤١) ﴿أَن سَبِّحُوا﴾ أن إما مفسرة لأوحي أو مصدرية والمعنى أي : صلوا أو بأن صلوا ﴿بُكْرَةً﴾ هي من طلوع الفجر إلى وقت الضحى ﴿وَعَشِيًّا﴾ هو من وقت زوال الشمس إلى أن تغرب وهما ظرفاً زمان للتسبيح.
عن أبي العالية أن المراد بهما صلاة الفجر وصلاة العصر أو نزهوا ربكم طرفي النهار وقولوا سبحان الله ولعله كان مأموراً بأن يسبح شكراً ويأمر قومه بذلك كما في "الإرشاد".
يقول الفقير : هو الظاهر لأن معنى التسبيح في هذه الموضع تنزيه الله تعالى عن العجز عن خلق ولد يستبعد وقوعه من الشيخين لأن الله على كل شيء قدير وقد ورد في الاذكار "لكل أعجوبة سبحان الله".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٧
وفي "التأويلات النجمية" في قوله : يا زَكَرِيَّآ} إلى ﴿بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ إشارة إلى بشارات :
منها : أنه تعالى ناداه باسمه زكريا وهذه كرامة منه.
ومنها : أنه سماه يحيى ولم يجعل له من قبل سميا بالصورة والمعنى أما بالصورة فظاهر وأما بالمعنى فإنه ما كان محتاجاً إلى شهوة من غير علة ولم يهمّ إلى معصية قط وما خطر بباله همها كما أخبر عن حاله النبي عليه السلام وفي قوله :﴿لَمْ نَجْعَل لَّه مِن قَبْلُ سَمِيًّا﴾ إشارة إلى أنه تعالى يتولى تسمية كل إنسان قبل خلقه وما سمي أحد إلا بإلهام الله كما أن الله تعالى ألهم عيسى عليه السلام حين قال :﴿وَمُبَشِّرَا بِرَسُولٍ يَأْتِى مِنا بَعْدِى اسْمُه أَحْمَدُ﴾ (الصف : ٦) وفي قوله :﴿قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَـامٌ﴾ الآية، إشارة إلى أن أسباب حصول الولد منفية من الوالدين بالعقر والكبر وهي من السنة الإلهية فإن من السنة أن يخلق الله الشيء من الشيء كقوله :﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ﴾ (الأعراف : ١٨٥) ومن القدرة أنه تعالى يخلق الشيء من لا شيء فقال :﴿أَنَّى يَكُونُ لِى غُلَـامٌ﴾ أي : أمن السنة أم من القدرة فأجابه الله تعالى بقوله :﴿قَالَ كَذَالِكَ﴾ أي : الأمر لا يخلو من السنة أو القدرة وفي قوله :﴿قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَىَّ هَيِّنٌ﴾ إشارة إلى أن كلا الأمرين على هين إن شئت أردّ عليكما أسباب حصول الولد من القوة على الجماع وفتق الرحم بالولد كما جرت به السنة وإن شئت أخلق لك ولداً من لا شيء بالقدرة كما خلقتك من قبل ولم تك شيئاً أي : خلقت روحك من قبل جسدك من لا شيء بأمركن ولهذا قال تعالى :﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى﴾ (الإسراء : ٨٥) وهو أول مقدور تعلقت القدرة به، وفي "المثنوي" :
آب از جوشش همى كردد هوا
وان هوا كردد ز سردى آبها
بلكه بى اسباب بيرون زين حكم
آب رويانيد تكوين از عدم
تو ز طفلى ون سببها ديده
در سبب از جهل بر فسيده
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٣١٧
يا يَحْيَى} على إرادة القول أي : ووهبنا له يحيى وقلنا له يا يحيى.
قال الكاشفي :
٣١٨


الصفحة التالية
Icon