رضي الله عنهما : يعني من المصلين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون يعني لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
وعن الشافعي رحمه الله أخذاً من هذه الآية لم أرَ أنفع للوباء من التسبيح.
قال يحيى بن معاذ رحمه الله للعابدين أردية يكسونها من عند الله سداها الصلاة ولحمتها الصوم وصلاة الجسد الفرائض والنوافل وصلاة النفس عروجها من حضيض البشرية إلى ذروة الروحانية وخروجها عن أوصافها لدخولها الجنة المشرفة بالإضافة إلى الحضرة بقوله :﴿فَادْخُلِى فِى عِبَادِى * وَادْخُلِى جَنَّتِى﴾ (الفجر : ٣٠) وصلاة القلب دوام المراقبة ولزوم المحاضرة كقوله :﴿الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ (المؤمنون : ٢) وصلاة السر عدم الالتفات إلى ما سوى الله تعالى مستغرقاً في بحر المشاهدة كما قال عليه السلام :"اعبد الله كأنك تراه" وصلاة الروح فناؤه في الله وبقاؤه بالله كما قال تعالى :﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ (النساء : ٨٠) لأنه الفاني عن نفسه الباقي بربه فمن صلى هذه الصلاة أغناه الله عما عند الناس ورزقه مما عنده كما قال تعالى :﴿وَوَجَدَكَ عَآااِلا فَأَغْنَى﴾ (الضحى : ٨) ومن هنا كان يقول صلى الله عليه وسلّم "أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني".
نيست غير نور آدم را خورش
جانرا نباشد رورش
ون خورى بكبار ازان ماكول نور
خاك ريزى بر سرنان تنور
﴿وَقَالُوا﴾ يعني كفار قريش :﴿لَوْلا﴾ هلا ﴿يَأْتِينَا﴾ (را نمى آرد محمد براى ما) ﴿بِاَايَةٍ﴾ مما اقترحنا نحن ومن نعتد به ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ كموسى وعيسى ليكون علامة لنبوته بلغوا من العناد إلى حيث لم يعدوا ما شاهدوا من المعجزات من قبيل الآيات حتى اجترأوا على التفوه بهذه الكلمة العظيمة ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِى الصُّحُفِ الاولَى﴾ الهمزة لإنكار الوقوع والواو للعطف على مقدر والبينة الدلالة الواضحة عقلية كانت أو حسية والمراد هنا القرآن الذي فيه بيان للناس وما عبارة عن العقائد الحقية وأصول الأحكام التي اجتمعت عليها كافة الرسل.
والصحف جمع صحيفة وهي التي يكتب فيها وحروف التهجي صحيفة على حدة مما أنزل على آدم والمراد بها التوراة والإنجيل والزبور وسائر الكتب السماوية.
والمعنى ألم يأتهم سائر الآيات ولم تأتهم خاصة بينة ما في الصحف الأولى أي : قد أتاهم آية هي أم الآيات وأعظمها في باب الإعجاز وهو القرآن الذي فيه بيان ما في الكتب الإلهية وهو شاهد بحقية ما فيها وبصحة ما ينطق به من أنباء الأمم من حيث أنه غني بإعجازه عما يشهد بحقيته حقيق بإثبات حقية غيره فاشتماله على زبدة ما فيها مع أن الآتي به أمي لم يرها ولم يتعلم ممن علمها إعجاز بين.
ثم بين أنه لا عذر لهم في ترك الشرائع وسلوك طريق الضلالة بوجه ما فقال :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٦
﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُم﴾ في الدنيا ﴿بِعَذَابٍ﴾ مستأصل ﴿مِّن قَبْلِهِ﴾ متعلق بأهلكنا أي : من قبل إتيان البينة وأصله ولو أهلكناهم أهلكناهم لأن لو إنما تدخل على الفعل فحذف الفعل الأول احترازاً عن العبث لوجود المفسر ثم أبدل من الضمير المتصل وهو الفاعل ضمير منفصل وهو إنا لتعذر الاتصال لسقوط ما يتصل به فإنا فاعل الفعل المحذوف لا مبتدأ ولا تأكيد إذ لم يعهد حذف المؤكد والعامل مع بقاء التأكيد ﴿لَقَالُوا﴾ يوم القيامة احتجاجاً ﴿رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ﴾ (را نفر ستادى) ﴿إِلَيْنَآ﴾ في الدنيا ﴿رَسُولا﴾ مع كتاب ﴿فَنَتَّبِعَ ءَايَاتِكَ﴾ التي أنزلت
٤٤٩
معه ﴿مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ﴾ بذل الضلالة وعذاب القتل والسبي في الدنيا كما وقع يوم بدر والذل الهوان وضد الصعوبة.
وقال الراغب الذل ما كان من قهر والذل ما كان يعد تصعب وشماس من غير قهر وقوله تعالى :﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ أي : كن كالمقهور لهما ﴿وَنَخْزَى﴾ بعذاب الآخرة ودخول النار اليوم، وبالفارسية :(ورسوا كنيم در قيامت بدخول در آتش).
قال الراغب خزي الرجل لحقه انكسار إما من نفس وإما من غيره فالذي يلحقه من نفسه هو الحياء المفرط ومصدره الخزاية والذي يلحقه من غيره يقال هو ضرب من الاستخفاف ومصدره الخزي.
والمعنى ولكنا لم نهلكهم قبل إتيانها فانقطعت معذرتهم فعند ذلك اعترفوا وقالوا : بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء.
قال في "الأسئلة المقحمة" : هذا يدل على أنه يجب على الله أن يفعل ما هو الأصلح لعباده المكلفين إذ لو لم يفعل لقامت لهم عليه الحجة بأن قالوا هلا فعلت بنا ذلك حتى نؤمن والجواب لو كان يجب عليه ما هو الأصلح لهم لما خلقهم فليس في خلقه إياهم وإرسال الرسل إليهم رعاية الأصلح لهم مع علمه بأنهم لا يؤمنون به ولكنه أرسل الرسل وأكد الحجة وسلب التوفيق ولله تعالى ما يشاء بحق المالكية.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٩
﴿قُلْ﴾ لأولئك الكفرة المتمردين ﴿كُلَّ﴾ أي : كل واحد منا ومنكم ﴿مُّتَرَبِّصٌ﴾ انتظار الأمر أو زواله منتظراً لما يؤول إليه أمرنا وأمركم.
قال الكاشفي :(يعني شما نكبت ما راشم ميداريد وما عقوبت شمارا).
قال في "الكبير" : كل منا ومنكم منتظر عاقبة أمره إما قبل الموت بسبب الجهاد وظهور الدولة والقوة أو بعد الموت بالثواب والعقاب وبما يظهر على المحق من أنواع كرامة الله وعلى المبطل من أنواع إهانته.
ـ وروي ـ أن المشركين قالوا : نتربص بمحمد حوادث الدهر فإذا مات تخلصنا فقال تعالى :﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أنتم ﴿فَسَتَعْلَمُونَ﴾ عن قريب إذا جاء أمر الله ﴿مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ﴾ المستقيم.
والأصحاب جمع صاحب بمعنى الملازم.
والصراط من السبيل ما لا التواء فيه أي : لا إعوجاج بل يكون على سبيل القصد ﴿وَمَنِ اهْتَدَى﴾ من الضلال أي : أنحن أم أنتم كما قال بعضهم :
سوف ترى إذا انجلى الغبار
أفرس تحتك أم حمار وفيه تهديد شديد لهم.
قال الكاشفي :(مراد حضرت يغمبرست كه هم راه يافته وهم راه نماينده است) :
راه دان وراه بين وراه بر
در حقيقت نيست جز خير البشر
وفي الآية إشارة إلى المهتدين بالوصول إليه بقطع المنازل والانفصال عما سواه والمنقطعين عنه باتصال غيره كما قال الخجندي :
وصل ميسر نشود جز بقطع
قطع نخست از همه ببريدنست
واعلم أن الله تعالى قطع المعذرة بالإمهال و"الإرشاد" فللّه الحجة البالغة.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال عليه السلام :"يحتج على الله ثلاثة : الهالك في الفترة يقول لم يأتني رسول وتلا لولا أرسلت إلينا رسولاً والمغلوب على عقله يقول لم تجعل لي عقلاً أنتفع به ويقول الصغير
٤٥٠
كنت صغيراً لا أعقل فترفع لهم نار ويقال ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله أنه سعيد وينكل عنها من كان في علمه أنه شقي فيقول الله إياي عصيتم فكيف برسلي لو أتوكم" كما في "التفسير الكبير" وفي الحديث :"لا يقرأ أهل الجنة من القرآن إلا سورة طه ويس" كما في "الكشاف".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٤٩


الصفحة التالية
Icon