قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الأنبياء والأولياء خلقوا محتاجين إلى الطعام بخلاف الملائكة وذلك لا يقدح في النبوة والولاية بل هو من لوازم أحوالهم وتوابع كمالهم فإن لهم فيه فوائد جمة منها :
أن الطعام للروح الحيواني الذي هو مركب الروح الإنساني كالدهن للسراج وهو منبع جميع الصفات النفسانية الشهوانية وهو مركب الشوق والمحبة التي بها يقطع السالك الصادق مسالك البعاد ويعبر العاشق مهالك الفراق للوصول إلى كعبة الوصال.
ومنها : أن أكل الطعام من نتائج الهوى وهو يميل النفس إلى مشتهياتها والسير إلى الله بحسب نهي النفس عن الهوى كقوله تعالى :﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِىَ الْمَأْوَى﴾ (النازعات : ٤٠ ـ ٤١) ولذا قال المشايخ : لولا الهوى ما سلك أحد طريقاً إلى الله.
ومنها : أن كثيراً من علم الأسماء التي علم الله آدم منوط بأكل الطعام مثل علم ذوق المذوقات وعلم التلذذ بالمشتهيات وعلم لذة الشهوة وعلم الجوع وعلم العطش وعلم الشبع والري وعلم هضم الطعام وثقله وعلم الصحة والمرض وعلم الداء والدواء وأمثاله والعلوم التي تتعلق به كعلوم الطب بأجمعها والعلوم التي هي توابعها كمعرفة الأدوية والحشائش
٤٥٦
وخواصها وطباعها وغيرها اقتصرنا على هذا القدر من الفوائد الجمة فافهم جداً.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
ـ حكي ـ أن واحداً من الصوفية المتحققين بحقائق تجلي الصمدية لم يأكل طعاماً ستة أشهر فألح عليه شيخه بالأكل لما أن الكمال المحمدي في الإفطار والإمساك والسهر والمنام ونحو ذلك لا في الرهبانية المذمومة وفي "المثنوي" :
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو
زانكه عفت هست شهوت را كرو
هين مكن خودرا خصى رهبان مشو
زانكه عفت هست شهوت را كرو
بى هوا نهى ازهوا ممكن نبود
هم غزا بر مردكان نتوان نمود
ش كلوا ازبهر دام شهوتست
بعد ازان لا تسرفوا آن عفتست
ونكه رنج صبر نبود مرترا
شرط نبود س فرونايد جزا
حبذا آن شر وشادا آن جزا
آن جزاى دلنواز جانفزا
قال الشافعي رحمه الله : أربعة لا يعبأ الله بهم يوم القيامة : زهد خصي، وتقوى جندي، وأمانة امرأة، وعبادة صبي وهو محمول على الغالب كما في "المقاصد الحسنة" للإمام السخاوي.
﴿ثُمَّ صَدَقْنَـاهُمُ الْوَعْدَ﴾ عطل على مقدر وصدق يتعدى إلى الثاني بحرف الجر وهو هنا محذوف كما في قوله تعالى :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ كأنه قيل أوحينا إليهم ما أوحينا ثم صدقناهم في الوعد الذي وعدناهم في تضاعف الوحي بإهلاك أعدائهم ﴿فَأَنجَيْنَـاهُمْ وَمَن نَّشَآءُ﴾ من المؤمنين وغيرهم ممن تستدعي الحكمة إبقاءه كمن سيؤمن هو أو بعض فروعه بالآخرة وهو السر في حماية العرب من عذاب الاستئصال.
يقول الفقير هكذا قال إذ الظاهر تخصيص من نشاء بالمؤمنين الآية في الرسل السالفة مع أممهم وعذابهم كان عذاب استئصال ولم ينج منهم غير المؤمنين فهي كقوله تعالى :﴿ثُمَّ نُنَجِّى رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا كَذَالِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (يونس : ١٠٣) ولما كانت العرب مصونة من عذاب الاستئصال لم يبعد أن يبقى منهم من سيؤمن هو أو بعض فروعه كما وقع يوم بدر فافهم ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسِْرفِينَ﴾ أي : مجاورين للحد في الكفر والمعاصي.
قال الراغب السرف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٥٤
﴿لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ﴾ أي : والله لقد أنزلنا إليكم يا معشر قريش ﴿كِتَـابًا﴾ عظيم الشأن نير البرهان ﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ موعظتكم بالوعد لترغبوا وتحذروا وليس بسحر ولا شعر ولا أضغاث أحلام ولام مفترى كما تدعون ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ الفاء للعطف على مقدر أي : ألا تتفكرون فلا تعقلون أن الأمر كذلك.
وقال بعضهم فيه ذكركم أي : شرفكم لأنه بلغة العرب.
قال الكاشفي :(اين آيت أهل قرآنرا تشريفي تمام وتكريمي مالا كلامست وخبر "أشراف أمتي حملة القرآن" مؤيد ومأكسد اين اجلال واكرام) والمراد بحملة القرآن ملازموا قراءته كما في "تفسير الفاتحة" للفناري :
آهل قرآنند أهل الله وبس
اندر ايشان كى رسى هى بوالهوس
اهل باشد جنس وجنس اين كلام
نيست جز مرغى كه بروازد زدام
وفي الحديث :"إنأهلين من الناس أهل القرآن وهم أهل الله" أي : خاصته.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لما دنا فراق رسول الله صلى الله عليه وسلّم جمعنا في بيت أمنا عائشة رضي الله
٤٥٧