ـ حكي ـ أن عثمان الغازي جد السلاطين العثمانية إنما وصل إلى ما وصل برعاية كلام الله تعالى وذلك أنه كان من أسخياء زمانه ببذل النعم للمترددين فثقل ذلك على أهل قريته وأنكروا عليه فذهب ليشتكي من أهل القرية إلى الحاجي بكتاش أو غيره من الرجال فنزل ببيت رجل قد علق فيه مصحف فسأل عنه فقالوا : هو كلام الله تعالى فقال : ليس من الأدب أن نقعد عند كلام الله فقام وعقد يديه مستقبلاً إليه فلم يزل إلى الصبح فلما أصبح ذهب إلى طريقه فاستقبله رجل فقال : أنا مطلبك ثم قال له : إن الله تعالى عظمك وأعطاك وذريتك السلطنة بسبب تعظيمك لكلامه ثم أمر بقطع شجرة وربط رأسها بمنديل وقال : ليكن ذلك لواء ثم اجتمع عنده جماعة فجعل أول غزوته إلى بلجك وفتح بعناية الله تعالى ثم أذن له السلطان علاء الدين في الظاهر أيضاً فصار سلطاناً.
ففي هذه الحكاية فوائد منها أن السلطنة اختصاص إلهي كالنبوة
٤٨٩
ومنها أن السخاء مفتاح باب المراد.
ومنها أن المراجعة عند الحيرة إلى الله لها تأثير عظيم.
ومنها أن رعاية كلام الله سبب السلطنة مطلقاً صورية كانت أو معنوية إذ هو ذكر مبارك.
ومنها أن ترك الرعاية سبب لزوال قوتها بل لزوال نفسها كما وقع في هذه الأعصار فإن الترقي الواقع في زمان السلاطين المتقدمين آل إلى التنزل وقد عزل السلطان محمد الرابع في زماننا بسبب الترك المذكور فهذا هو زوال السلطنة نسأل الله تعالى أن يجعل القرآن ربيع قلوبنا وجلاء أحزاننا.
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ الرشد خلاف الغي وهو الابتداء لمصالح الدين والدنيا وكماله يكون بالنبوة أي : بالله لقد آتينا بجلالنا وعظم شأننا إبراهيم الخليل عليه السلام الرشد اللائق به وبأمثاله من الرسل الكبار على ما أفادته الإضافة ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل إيتاء موسى وهارون التوراة وتقديم ذكر إيتائها لما بينه وبين إنزال القرآن من الشبه التام ﴿وَكُنَّا بِه عَـالِمِينَ﴾ أي : وكنا عالمين بأنه أهل لما آتيناه من الرشد والنبوة وتقديم الظرف لمجرد الاهتمام مع رعاية الفاصلة ونظير الآية قوله تعالى :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ (الأنعام : ١٢٤).
واعلم أن الأهلية أيضاً من الله تعالى :
قابلي كر شرط فعل حق بدى
همو معدومى بهستى نامدى
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٩
وقد قالوا القابلية صفة حادثة من صفات المخلوق والعطاء صفة قديمة من صفات الخالق والقديم لا يتوقف على الحادث.
﴿إِذْ قَالَ لابِيهِ وَقَوْمِهِ﴾ ظرف لآتينا على أنه وقت متسع وقع فيه الإيتاء وما ترتب عليه من أفعاله وأقواله.
يقول الفقير : والظاهر من عدم التعرض لأمه كونها مؤمنة كما يدل عليه تبريه وامتناعه من أبيه دونها والمراد من قومه أهل بابل بالعراق وهي بلاد معروفة من عبادان إلى الموصل طولاً ومن القادسية إلى حلوان عرضاً سميت بها لكونها على عراق دجلة والفرات أي : شاطئهما ﴿مَآ﴾ (يست) ﴿هَـاذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنتُمْ لَهَا عَـاكِفُونَ﴾ التماثيل جمع تمثال وهو الشيء المصور المصنوع مشبهاً بخلق من خلائق الله والممثل المصور على مثال غيره من مثلت الشيء بالشيء إذا شبهته به والعكوف الإقبال على الشيء وملازمته على سبيل التعظيم لغرض من الأغراض ضمن معنى العبادة كما يدل عليه الجواب الآتي ولذا جيىء باللام دون على أي : ما هذه الأصنام التي أنتم عابدون لها مقيمون عليها وهذا السؤال تجاهل منه وإلا فهو يعرف أن حقيقتها حجر أو شجر اتخذوها معبوداً.
قال الكاشفي :(آن هفتاد دو صورت بود.
ودر تيسير كويد نودبت بود وبزر كترهمه را اززر ساخته بودند ودوكوهر شاهوار درشمهاى او تركيب كرده.
ودرتبيان آورده كه صورتها بودند برهيأت سباع وطيور وبهائم وإنسان.
وبقول بعضي تماثيل بر مصور هياكل كواكب بود).
ـ روي ـ أن علياً رضي الله عنه مر بقوم يلعبون بالشطرنج، فقال : ما هذه التماثيل كما في تفسير أبي الليث وفيه تقبيح للعب الشطرنج حيث عبر عن شخوصه بما عبر به إبراهيم عن الأصنام فأشار إلى أن العكوف على هذا اللعب كالعكوف على عبادة الأصنام.
قال صاحب الهداية يكره اللعب بالنرد والشطرنج والأربعة عشر والكل لهو لأنه إن قامر بها فالميسر حرام بالنص وهو اسم لكل قمار وإن لم يقامر فهو عبث ولهو وقال عليه السلام :"لهو المؤمن باطل إلا لثلاث تأديبه لفرسه
٤٩٠
ومناضلته عن قوسه وملاعبته مع أهله" وحكي عن الشافعي رحمه الله إباحة اللعب بالشطرنج لما فيه من تسخية الخاطر.
قال زين العرب في "شرح المصابيح" رجع الشافعي عن هذا القول قبل موته بأربعين يوماً وذكر الغزالي أيضاً في "خلاصته" إنه مكروه عند الشافعي أي : في قوله الأخير وكيف لا يكون مكروهاً وهو إحياء سنة المجوس وقد قال عليه السلام :"من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده في دم الخنزير"، وأما قول ابن خيام :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٨٩
زماني بحث ودرس قيل وقالى
كه انسانرا بود كسب كمالى