﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ﴾ أي : بالجد وبالفارسية (آيا آورى بما اين سخن براستى وجه) ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّـاعِبِينَ﴾ بنا فتقول ما تقول على وجه المزاح واللعب حسبوا أنهم إنما أنكر عليهم دينهم القديم مع كثرتهم وشوكتهم على وجه المزاح واللعب.
وفيه إشارة لطيفة وهي كما أن أهل الصدق والطلب يرون أهل الدنيا لاعبين والدنيا لعباً ولهواً كقوله تعالى :﴿قُلِ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام : ٩١) كذلك أهل الدنيا يرون أهل الدين لاعبين والدين لعباً ولهواً ﴿قَالَ بَلْ﴾ (نيستم بازى كننده) ﴿رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ﴾ أي : خلقن ابتداء من غير مثال سابق فهو الخالق كما أنه المربى فالضمير للسموات والأرض أو للتماثيل أي : فكيف تعبدون ما كان من جملة المخلوقات ﴿وَأَنَا عَلَى ذَالِكُم﴾ الذي ذكرته من كون ربكم رب السموات والأرض فقط دون ما عداه كائناً ما كان ﴿مِّنَ الشَّـاهِدِينَ﴾ أي : العالمين به على الحقيقة المبرهنين وليس المراد حقيقة الشهادة لأنه لا شهادة من المدعي بل استعيرت الشهادة لتحقيق الدعوى بالحجة والبرهان أي : لست من اللاعبين في الدعاوي بل من المحتجين عليها بالبراهين القاطعة بمنزلة الشاهد الذي تقطع به الدعاوي.
قال الكاشفي :(آلأرده اندكه نمروديان روزى عبدداشتند كه در آن روز بصحرا رفتندى وتا آخر روزتماشا كردندى ودرياز كشتن به بتخانه در آمده بتانرا بياراسته بزبانها بنو اختندى آنكه سربر زمين نهاده رسم رستش بجاى آوردندى وبخانها بازكشتندى ون ابراهيم عليه السلام باجمعى درباب تماثيل مناظره فرمود كفتند فردا عيدست بيرون آى تابينى كه دين وآيين ماه زيباست ابراهيم نعم جواب ايشان بكفت روز ديكركه مى رفتند ميخواستند كه اورا ببرند ببهانه بيمارى يش آورد) ﴿فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ﴾ يعني : عن عبادة الأصنام كما في "القصص" (ايشان دست از وبازداشته برفتند ابراهيم نهان از ايشان بفرمودكه).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩١
﴿وَتَاللَّهِ﴾ (بخدا سوكند كه من) ﴿لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم﴾ (هر آينه تدبيرى كنم وجهد نمايم تابشكنم بتان شمارا) كما قال في "الإرشاد" لاجتهدن في كسرها.
وفيه ايذان بصعوبة الأمر وتوقفه على استعمال الحيل.
وقال ابن الشيخ أخذاً من تفسير الإمام فإن قيل لم قال :﴿لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم﴾ والكيد هو الاحتيال على الغير في ضرر لا يشعر به والأصنام جمادات لا تتضرر بالكسر ونحوه وأيضاً ليست هي مما يحتال في إيقاع الكسر عليها لأن الاحتيال إنما يكون في حق من له شعور أجيب بأن ذلك من قبيل التوسع في الكلام فإن القوم كانوا يزعمون أن الأصنام لهن
٤٩٢
شعور ويجوز عليهن الضرر فقال ذلك بناء على زعمهم.
وقيل المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل قد أنزل بهم الغم.
والأصنام جمع صنم وهي جثة متخذة من فضة أو نحاس أو خشب كانوا يعبدونها متقربين بها إلى الله تعالى كما في المفردات ﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّوا﴾ ترجعوا مضارع ولى مشدداً ﴿مُّدْبِرِينَ﴾ ذاهبين من عبادتها إلى عيدكم وهو حال مؤكدة لأن التولية والادبار بمعنى والادبار نقيض الإقبال وهو الذهاب إلى خلف.
قال الكاشفي :﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّوا﴾ (بعد ازانكه روى بكردانيد ازايشان يعنى برويد بعيد كاه وباشيد مدبرين شت برايشان كنندكان وقتى كه بتانرا بكذا ريد وبتماشا كاه خودرويد).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩١
﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ الفاء فصيحة أي : فولوا فجعلهم ﴿جُذَاذًا﴾ قطاعاً فعال بمعنى المفعول من الجذ الذي هو القطع كالحطام من الحطم الذي هو الكسر.
قال في "القاموس" الجذ القطع المستأصل والكسر والاسم الجذاذ مثلثة انتهى ﴿إِلا كَبِيرًا لَّهُمْ﴾ استثناء من مفعول قوله فجعلهم ولهم صفة لكبيراً والضمير للأصنام أي : لم يكسر "الكبير" وتركه على حاله وعلق الفأس في عنقه وكبره في التعظيم أو في الجثة أو فيهما ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ﴾ إلى "الكبير" وتقديم الظرف للاختصاص أو لمجرد الاهتمام مع رعاية الفاصلة ﴿يَرْجِعُونَ﴾ فيسألون عن كاسرها لأن من شأن المعبود أن يرجع إليه في حل المشكل فيستجهلهم ويبكتهم بذلك كذا في "بحر العلوم" أو إلى إبراهيم يرجعون لاشتهاره بإنكار دينهم وسب آلهتهم وعداوتهم فيحاججهم بقوله بل فعله كبيرهم فيحجهم ويبكتهم كما في "الإرشاد" وغيره.


الصفحة التالية
Icon