جزمحبت كه نشاند خشم راجهدبى توفيق خود كس رامباد
درجهان والله أعلم بالرشاد
٤٩٥
﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـاؤُلاءِ يَنطِقُونَ﴾ على إرادة القول أي : قائلين لقد علمت يا إبراهيم أن ليس من شأنهم النطق فكيف تأمرنا بسؤالهم فأقروا بهذا للحيرة التي لحقتهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٤
﴿قَالَ﴾ مبكتاً لهم ﴿أَفَتَعْبُدُونَ﴾ أي : أتعلمون ذلك فتعبدون ﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي : حال كونكم متجاوزين عبادته تعالى ﴿مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْـاًا﴾ من النفع إن عبدتموهم ﴿وَلا يَضُرُّكُمْ﴾ إن لم تعبدوهم فإن العلم بالحالة المنافية للألوهية مما يوجب الاجتناب عن عبادته قطعاً.
﴿أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ تضجر منه من إصرارهم على الباطل البين وأف صوت التضجر إذا صوت بها الإنسان علم أنه متضجر ومعناه قبحاً ونتناً، وبالفارسية :(زشتى وناخوشى شمارا ومران يزرا كه مى رستيد بجز خداى تعالى) واللام لبيان المتأفف له أي : لكم ولآلهتكم هذا التأفف لا لغيركم وفي كتب النحو من أسماء الأفعال أف بمعنى أتضجر ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أي : أجننتم فلا تعقلون قبح صنيعكم.
قال ابن عطاء دعا الله تعالى عباده إليه وقطعهم عما دونه بقوله :﴿أَفَتَعْبُدُونَ﴾ الخ كيف تعتمده وهو عاجز مثلك ولا تعتمد من إليه المرجع وبيده الضر والنفع.
قال حمدون القصار : استغاثة الخلق بالخلق كاستغاثة المسجون بالمسجون.
وقال بعض الكبار طلبك من غيره لوجود بعدك عنه إذ لو كنت حاضراً بقلبك معه ما صح منك توجه لغيره وكل ما دون الله خوض ولعب فالتعلق به زور وكذب فدع الكل جانباً وتعلق بمولاك حتماً تجده في كل مهم وغيره مغنياً وعند كل شيء حقاً يقيناً جعلنا الله ممن تعلق به بلا علة وعافانا من الذلة والزلة والقلة.
ـ حكي ـ أن امرأة حبيب العجمي ألحّت عليه أن يعمل بالأجرة طلباً للسعة في الرزق فخرج من بيته وعبد الله إلى الليل فعاد إلى بيته وليس معه شيء فلما سألته امرأته قال : عملت لعظيم كريم واستحييت أن اطلب الأجرة فلما مضى عليه ثلاثة أيام قالت : أطلب الأجرة أو اعمل لغيره أو طلقني فخرج إلى الليل فلما عاد إلى منزله وجد رائحة الطعام وامرأته مستبشرة فقالت : إن الذي عملت له أرسل إلينا أشياء عظيمة وكيساً مملواً ذهباً فبكى حبيب وقال : إنه من عند الله الكريم فلما سمعت المرأة تابت وحلفت أن لا تعود إلى مثله أبداً.
ففي هذه الحكاية فوائد : منها أن العمل بالأجرة وإن كان أمراً مشروعاً لكن الحبيب اختار طاعة الحبيب وعد ذلك العمل من قبيل الاستناد إلى الغير مع أنه تعالى قال :"من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته فوق ما أعطى السائلين".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٤٩٦
ومنها : أن الصبر مؤد إلى الفتح ولو كان بعد حين فلا بد من الصبر وترك الجزع، ومنها أن تلك المرأة عرفت الحال فتابت إلى الله المتعال واختارت القوت والقناعة ولازمت العبادة والطاعة فإن من أعرض عن الحق بعد ظهور البرهان فقد خان نفسه وأهان ألا ترى أن قوم إبراهيم بعدما استبان لهم الحق رجعوا إلى الكفر والإصرار وعبادة الأصنام من الخشب والأحجار فأهلكهم الله تعالى بالبعوض الصغار، وفي "المثنوي" :
هست دنيا قهر كردكار
قهر بين ون قهر كردى اختيار
استخوان وموى مقهوران نكر
تيغ قهر افكنده اندر بحر وبر
﴿قَالُوا حَرِّقُوهُ﴾ أي : قال بعضهم لبعض لما عجزوا عن المحاجة وهكذا ديدن المبطل المحجوج
٤٩٦


الصفحة التالية
Icon