﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَاهُكُمْ إِلَاهٌ وَاحِدٌ﴾ أي : ما يوحى إليّ إلا أنه لا إله لكم إلا إله واحد وحاصله ما يوحى إليّ شيء غير التوحيد ومعنى القصر مع أنه قد أوحي إليه التوحيد وغيره من الأحكام كون التوحيد مقصوداً أصلياً من البعثة فإن ما عداه متفرع عليه وإنما الأولى لقصر الحكم على الشيء كقولك إنما يقوم زيد أي : ما يقوم إلا زيد والثانية لقصر الشيء على الحكم نحو إنما زيد قائم أي : ليس له إلا صفة القيام.
قال ابن الشيخ فإن قلت هذا الحصر يستلزم أن لا يكون الله تعالى موصوفاً بغير الوحدانية مع أن له تعالى من صفات الجلال والجمال ما لا يحصى فالجواب أن القصر ليس حقيقياً إذ المقصود نفي ما يصفه المشركون ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ أي : مخلصون العبادةتعالى مخصوصونها به سبحانه وتعالى.
وبالفارسية (س آيا هستيد شما كردن نهاد كان مقتضاى وحى را) والفاء للدلالة على أن ما قبلها موجب لما بعدها يعني أن العاقل إذا خلي ونفسه بعدما قرىء عليه ما قبله ينبغي بل يجب أن لا يتوقف في التوحيد وإذعانه وقبوله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٧
﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ أعرضوا عن الإسلام ولم يلتفتوا إلى ما يوجبه
٥٢٩
من الوحي ﴿فَقُلْ﴾ لهم ﴿ءَاذَنتُكُمْ﴾ أعلمتكم ما أمرت به من وجوب التوحيد والتنزيه وبالفارسية (آكاه كردم شمارا) ﴿عَلَى سَوَآءٍ﴾ كائنين على سواء في الإعلام به لم أطوه عن أحد منكم وما فرقت بينكم في النصح وتبليغ الرسالة فهو حال من مفعول آذنتكم ﴿وَإِنْ أَدْرِى﴾ أي : ما أعلم ﴿أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من غلبة المسلمين وظهور الدين أو الحشر مع كونه آتياً لا محالة ولا جرم أن العذاب والذلة يلحفكم.
وفي "الأسئلة المقحمة" كيف قال هذا وقد قال ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ فذلك يوم القيامة وهو قريب كما قال تعالى :﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ (الأنبياء : ١).
﴿أَنَّهُ﴾ تعالى ﴿يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ﴾ أي : ما تجاهرون به من الطعن في الإسلام وتكذيب الآيات ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ من الحسد والعداوة للرسول وللمسلمين فيجازيكم عليه نقيراً وقطميراً وتكرير العلم في معنى تكرير الوعيد.
قال بعض الكبار : كيف يخفي على الحق من الخلق خافية وهو الذي أودع الهياكل أوصافها من الخير والشر والنفع والضر فما يكتمونه أظهر مما يبدونه وما يبدونه مثل ما يكتمونه جل الحق أن يخفي عليه حافية وهو الذي قال :
يرو علم يك ذره وشيده نيست
كه يدا ونهان بنزدش يكيست
قال في "التأويلات النجمية" :﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ من دعاوي الإسلام والإيمان والزهد والصلاح والمعارف ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ من الصدق والإخلاص والرياء والسمعة والنفاق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٩
﴿وَأَنْ﴾ ما ﴿أَدْرِى لَعَلَّهُ﴾ لعل تأخير جزائكم ﴿فِتْنَةٌ لَّكُمْ﴾ استدراج لكم وزيادة في افتنانكم لما كان الاستدراج سبباً للفتنة والعذاب أطلق عليه لفظ الفتنة مجازاً مرسلاً أو امتحان لكم كيف تعملون أي : معاملة تشبيهية بالامتحان على طريق الاستعارة التمثيلية ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ وتمتيع لكم إلى أجل مقدر يقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة ليكون ذلك حجة عليكم وليقع الجزاء في وقت هو فيه حكمة.
﴿قَالَ﴾ الرسول فهو حكاية لدعائه عليه السلام ﴿رَبِّ﴾ (اى روردكارمن) ﴿احْكُم بِالْحَقِّ﴾ أي : اقض بيننا وبين أهل مكة بالعدل المقتضي لتعجيل العذاب والتشديد عليهم ﴿وَرَبُّنَا﴾ مبتدأ خبره قوله :﴿الرَّحْمَانُ﴾ كثير الرحمة على عباده وهي إن كانت بمعنى الانعام فمن صفات الفعل وإن أريد بها إرادة إيصال الخير فمن صفات الذات ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾ خبر آخر أي : المطلوب منه المعونة، يعني :(يارى آور خواهنده) ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ من الحال فإنهم كانوا يقولون إن الشوكة تكون لهم (ورايت اسلام ودين دم بدم نكونسار خواهد شد) وإن المتوعد لو كان حقاً لنزل بهم إلى غير ذلك مما لا خير فيه، يعني :(شما سخن ناسزا ميكوييد وما ازخداى بران يارى خواهيم واميدوارى ازدركاه حضرت او داريم) :
مراد خويش زدركاه ادشاهى خواه
كه هيكس نشود نا اميد ازان دركاه
فاستجاب الله تعالى دعاء رسوله فخيب آمالهم وغير أحوالهم ونصر أولياءه عليهم فأصابهم يوم بدر ما أصابهم.
وفي الآية إشارة إلى أنه لا يطلب من الله تعالى ولا يطمع في حق المطيع والعاصي إلا ما هو مستحقه وقد جرى حكم الله فيها في الأزل وأن
٥٣٠
رحمته غير متناهية وإن كانت أنواعها مائة على ما قال عليه السلام :"إنمائة رحمة" فعلى العاقل أن لا يغتر بطول العمر وكثرة الأموال والأولاد فإن الاغترار بذلك من صفات الكفرة.
ومن كلمات أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد يمكر به فهو مخدوع عن عقله.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله لرجل أدرهم في المنام أحب إليك أم دينار في اليقظة؟ فقال : دينار في اليقظة فقال : كذبت لأن الذي تحبه في الدنيا كأنك تحبه في المنام والذي لا تحبه في الآخرة كأنك لا تحبه في اليقظة نسأل الله العصمة والتوفيق.
٥٣١
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٥٢٩


الصفحة التالية
Icon