جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
والمرة الأولى : حين كان في بني سعد وهو ابن خمس سنين على ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وأخرج في هذه المرة العلقة السوداء من القلب التي هي حظ الشيطان ومحل غمزه أي : محل ما يلقيه من الأمور التي لا تنبغي فلم يكن
١٠٦
للشيطان في قلب النبي عليه السلام حظ وكذا لم يكن لقلبه الطاهر ميل إلى لعب الصبيان ونحوه وهو مما اختص به دون الأنبياء عليهم السلام إذ لم يكن لهم شرح الصدر على هذا الأسلوب وللورثة الكمل حظ من هذا المعنى فإنه يخرج من بعضهم الدم الأسود بالقيىء في حال اليقظة ومن بعضهم حال الفناء والانسلاخ والأول أتم لأنه يزول القلب بالكلية فينشط للعبادات كالعادات وجاء جبريل في هذه المرة بخاتم من نور يحار الناظرون دونه فختم به قلبه عليه السلام لحفظ ما فيه وختم أيضاً بين كتفيه بخاتم النبوة أي الذي هو علامة على النبوة وكان حوله خيلان فيها شعرات سود مائلة إلى الحضرة وكان كالتفاحة أو كبيض الحمامة أو كزر الحجلة وهو طائر على قدر الحمامة كالقطاة أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر وزرها بيضتها.
قال الترمذي والصواب حجلة السرير واحدة الحجال وزرها الذي يدخل في عروتها كما في حياة الحيوان} مكتوب عليه "لا إله إلا الله محمد رسول الله" أو "محمد نبي أمين" أو غير ذلك.
والتوفيق بين الروايات بتنوع الحظوظ بحسب الحالات والتجليات أو بالنسبة إلى أنظار الناظرين.
قال الإمام الدميري : إن بعض الأولياء سأل الله تعالى أن يريه كيف يأتي الشيطان ويوسوس فأراه الحق هيكل الإنسان في صورة بلور وبين كتفيه شامة سوداء كالعش والوكر فجاء الخناس يتحسس من جميع جوانبه وهو في صورة خنزير له خرطوم كخرطوم الفيل فجاء من بين الكتفين فأدخل خرطومه قبل قلبه فوسوس إليه فذكر الله تعالى فخنس وراءه ولذلك سمي بالخناس لأنه ينكص على عقبيه مهما حصل نور الذكر في القلب ولهذا السر الإلهي كان عليه السلام يحتجم بين كتفيه ويأمر بذلك ووصاه جبريل بذلك لتضعيف مادة الشيطان وتضييق مرصده لأنه يجري وسوسته مجرى الدم ولذلك كان خاتم النبوة بين كتفيه إشارة إلى عصمته من وسوسته لقوله :"أعانني الله عليه فأسلم" أي : بالختم الإلهي أيده به وخصه وشرفه وفضله بالعصمة الكلية فأسلم قرينه وما أسلم قرين آدم فوسوس إليه لذلك.
ـ والمرة الثانية : ـ عند مجيىء الوحي في بلوغه سن أربعين ليحصل له التحمل لأعباء الرسالة.
ـ والمرة الثالثة : ـ ليلة الإسراء وهو ابن ثنتين وخمسين ليتسع قلبه لحفظ الأسرار الإلهية والكلمات الربانية وجاء جبريل هذه الليلة بدابة بيضاء ومن ثمة قيل لها البراق بضم الموحدة لشدة بريقها أو لسرعتها فهي كالبرق الذي يلمع في الغيم كما قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢
سيج راه عرشت كردم اينك
براقى برق سير آوردم اينك
جهنده برزمين خوش بادايى
رنده درهوا فرخ همايى
و عقل كل سوى أفلاك كردى
و فكر هندسه كيتى نوردى
نه دست كس عنان أو بسوده
نه از ايى ركابش كشته سوده
وهي دابة فوق الحمار دون البغل.
قال صاحب "المنتقى" : الحكمة في كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس التنبيه على أن الركوب في سلم وأمن لا في خوف وحرب أو لإظهار الآية في الإسراع العجيب في دابة لا يوصف شكلها بالإسراع فإنه كان يضع خطوه عند أقصى طرفه ويؤخذ من هذا أنه أخذ من الأرض إلى السماء في خطوة لأن بصر من في الأرض يقع على السماء
١٠٧


الصفحة التالية
Icon