عليه السلام فقال : من أنتن قلن خيرات حسان نساء قوم أبرار نقوا فلم يدرنوا وأقاموا فلم يظعنوا وخلدوا فلم يموتوا ثم دخل عليه السلام المسجد ونزلت الملائكة وأحيى الله له آدم ومن دونه من الأنبياء من سمي الله ومن لم يسم حتى لم يشذ منهم أحد فرآهم في صورة مثالية كهيئتهم الجسدانية إلا عيسى وإدريس والخضر والياس فإنه رآهم بأجسادهم الدنيوية لكونهم من زمرة الاحياء كما هو الظاهر فسلموا عليه وهنأوه بما أعطاه الله تعالى من الكرامة وقالوا : الحمدالذي جعلك خاتم الأنبياء فنعم النبي أنت ونعم الأخ أنت وأمتك خير الأمم ثم قال جبريل : تقدم يا محمد وصل بإخوانك من الأنبياء ركعتين فصلى بهم ركعتين وكان خلف ظهره إبراهيم وعن يمينه إسماعيل وعن يساره إسحاق عليهم السلام وكانوا سبعة صفوف ثلاثة صفوف من الأنبياء المرسلين وأربعة من سائر الأنبياء.
قال في "إنسان العيون" : والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أن هذه الصلاة كانت من النفل المطلق ولا يضر وقوع الجماعة فيها انتهى.
وفي "منية المفتي" أيضاً إمامة النبي عليه السلام ليلة المعراج لأرواح الأنبياء وكانت في النافلة انتهى.
قال عليه السلام :"لما وصلت إلى بيت المقدس وصليت فيه ركعتين" أي : إماماً بالأنبياء والملائكة "أخذني العطش أشد ما أخذني فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فأخذت الذي فيه اللبن وكان ذلك بتوفيق ربي فشربته إلا قليلاً منه وتركت الخمر فقال جبريل : أصبت الفطرة يا محمد" لأن فطرته هي الملائمة للعلم والحلم والحكمة "أما أنك لو شربت الخمر لغوت أمتك كلها ولو شربت اللبن كله لما ضل أحد من أمتك بعدك فقلت : يا جبريل أردد عليّ اللبن حتى أشربه كله فقال جبريل : قضي الأمر ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم".
قال بعضهم : إنه لم يختلف أحد أنه عرج به صلى الله عليه وسلّم من عند القبة التي يقال لها قبة المعراج عن يمين الصخرة وقد جاء "صخرة بيت المقدس من صخور الجنة" وفيها أثر قدم النبي عليه السلام.
قال أبي بن كعب : ما من ماء عذب إلا وينبع من تحت صخرة بيت المقدس ثم يتفرق في الأرض وهذه الصخرة من عجائب الله فإنها صخرة شعثاء في وسط المسجد الأقصى قد انقطعت من كل جهة لا يمسكها إلا الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ومن تحتها المغارة التي انفصلت من كل جهة فهي معلقة بين السماء والأرض.
قال الإمام أبو بكر بن العربي في شرح الموطأ امتنعت لهيبتها أن أدخل من تحتها لأني كنت أخاف أن تسقط عليّ بالذنوب ثم بعد مدة دخلتها فرأيت العجب العجاب تمشي في جوانبها من كل جهة فتراها منفصلة عن الأرض لا يتصل بها من الأرض شيء ولا بعض شيء وبعض الجهات أشد انفصالاً من بعض.
قال بعضهم : بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلاً وباب السماء الذي يقال له : مصعد الملائكة يقابل بيت المقدس أي : ولهذا أسري به عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليحصل العروج مستوياً من غير تعويج.
يقول الفقير رقاه الله القدير إلى معرفة سر المعراج المنير : لعل وجه الإسراء إلى بيت المقدس هو التبرك بقدمه الشريفة لكون مدينة القدس ومسجدها متعبد كثير من الأنبياء ومدفنهم لا لأنه يحصل العروج مستوياً فإن ذلك من باب قياس الغائب على الشاهد وتقدير الملكوت بالملك إذ الأرواح الطيبة وألطفها
١١٢
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٠٢