قال في "إنسان العيون" : شجرة الزيتون تعمر ثلاثة آلاف سنة.
﴿لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ﴾ أي : لا شرقية تطلع عليها الشمس في وقت شروقها فقط ولا غربية تقع عليها حين غروبها فقط بل بحيث تقع عليها طول النهار فلا يسترها عن الشمس في وقت من النهار شيء كالتي على قلة أو صحراء فتكون ثمرتها أنضج وزيتها أصفى أو لا في مضحى تشرق الشمس عليها دائماً فتحرقها ولا في مفيأة تغيب عنها دائماً فتتركها نيئاً أو لا نابتة في شرق المعمورة نحو كنكدز وديار الصين وخطا ولا في غربها نحو طنجة وطرابلس وديار قيروان بل في وسطها وهو الشام فإن زيتونه أجود الزيتون أو في خط الاستواء بين المشرق والمغرب وهي قبة الأرض فلا توصف بأحد منهما فلا يصل إليها حر وبرد مضرين وقبة الأرض وسط الأرض عامرها وخرابها وهو مكان تعتدل فيه الأزمان في الحر والبرد ويستوي الليل والنهار فيه أبداً لا يزيد أحدهما على الآخر أي يكون كل منهما اثنتي عشرة ساعة (حسن بصري رحمة الله فرموده كه أصل أين شجره ازبهشت بدنيا آورده اند س از أشجار اين عالم نيست كه وصف شرقي وغربي برو تواند كرد) ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىاءُ﴾ (روشنى دهد) ﴿وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ (واكره نرسيده باشد بوى آتشى يعني درخشندكي بمثابة ايست بي آتش روشنايي بخشد) أي هو في الصفاء والإنارة بحيث يكاد يضيىء المكان بنفسه من غير مساس نار أصلاً وتقدير الآية يكاد زيتها يضيىء لو مسته نار ولو لم تمسسه نار أي يضيىء كائناً على كل حال من وجود الشرط وعدمه فالجملة حالية جيء بها لاستقصاء الأحوال حتى في هذه الحال.
﴿نُورٍ﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي ذلك النور الذي عبر به عن القرآن ومثلت صفته العجيبة الشأن بما فصل من صفة المشكاة نور كائن.
﴿عَلَى نُورٍ﴾ كذلك، أي : نور متضاعف فإن نور المصباح زاد في إنارته صفاء الزيت وزهرة القنديل وضبط المشكاة لاشعته فليس عبارة عن مجموع نورين اثنين فقط بل المراد به التكثير كما يقال : فلان يضع درهماً على درهم لا يراد به درهمان.
﴿يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ﴾ أي : يهدي هداية خاصة موصلة إلى المطلوب حتماً لذلك النور المتضاعف العظيم الشأن.
﴿مَن يَشَآءُ﴾ هدايته من عباده بأن يوفقهم لفهم ما فيه من دلائل حقيته وكونه من عند الله من الإعجاز والإخبار عن الغيب وغير ذلك من موجبات الإيمان وهذا من قبيل
١٥٥
الهداية الخاصة ولذا قال : من يشاء ففيه إيذان بأن مناط هذه الهداية وملاكها ليس إلا مشيئته وأن تظاهر الأسباب بدونها بمعزل من الإفضاء إلى المطالب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٥٢
قرب تو باسباب وعلل نتوان يافت
بي سابقة فضل ازل نتوان يافت
﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الامْثَـالَ لِلنَّاسِ﴾ أي : يبينها تقريباً إلى الإفهام وتسهيلاً لسبل الإدراك.
يعني (معقولات را در صورت محسوسات بيان ميكند براى مردم تازود در يابند ومقصود سخن برايشان كردد) وهذا من قبيل الهداية العامة ولذا قال للناس :﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ﴾ من ضرب الأمثال وغيره من دقائق المعقولات والمحسوسات وحقائق الجليات والخفيات.
قالوا : إذا كان مثلاً للقرآن فالمصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه ولسانه والشجرة المباركة شجرة الوحي وهي لا مخلوقة ولا مختلقة (نزد يكست كه هنوز قرآن نا خوانده دلائل وحجج برهمكنان واضح شود س ودبر آن قراءت كند ﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ باشد).
فإن قيل لم شبهه بذلك وقد علمنا أن ضوء الشمس أبلغ من ذلك بكثير؟.
أجيب بأنه سبحانه أراد أن يصف الضوء الكامل الذي يلوح في وسط الظلمة لأن الغالب على أوهام الخلق وخيالاتهم إنما هي الشبهات التي هي كالظلمات وهداية الله تعالى فيما بينهما كالضوء الكامل الذي يظهر فيما بين الظلمات وهذا المقصود لا يحصل من تشبيهه بضوء الشمس لأن ضوءها إذا ظهر امتلأ العالم من النور الخالص وإذا غاب امتلأ العالم من الظلمة الخالصة فلا جرم كان ذلك المثل ههنا أليق.


الصفحة التالية
Icon