قال ابن عباس رضي الله عنهما لا عين تجري على الأرض إلا وأصلها من البرد والثلج ويقال : إن الله تعالى خلق ملائكة نصف أبدانهم من الثلج ونصفها من النار فلا الثلج يطفىء النار ولا النار تذيب الثلج فإذا أراد الله إرسال الثلج في ناحية أمرهم حتى يترفرفوا بأجنحتهم من الثلج فما تساقط عن الترفرف فهو الثلج الذي يقع هناك يقال : رفرف الطائر إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه وقيل : المراد من الماء أي في الآية المظلة أي الفلك وفيها جبال من برد كما أن في الأرض جبالاً من حجر وليس في العقل ما ينفيه والمشهور أن الابخرة إذا تصاعدت ولم تحللها حرارة فبلغت الطبقة الباردة من الهواء وقوى البرد اجتمعت هناك وصارت سحاباً فإن لم يشتد البرد تقاطرت مطراً وإن اشتد فإن وصل إلى الأجزاء البخارية قبل اجتماعها نزل برداً وقد يبرد الهواء برداً مفرطاً فينقبض وينعقد سحاباً وينزل منه المطر أو الثلج وكل ذلك مستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته المبنية على الحكم والمصالح.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٣
وفي "إخوان الصفاء" : الأجزاء المائية والترابية إذا كثرت في الهواء وتراكمت فالغيم منها هو الرقيق والسحاب هو المتراكم والمطر هو تلك الأجزاء المائية إذا التأم بعضها مع بعض وبردت وثقلت رجعت نحو الأرض والبرد قطر تجمد في الهواء بعد خروجه من سمك السحاب والثلوج قطر صغار تجمد في خلال الغيم ثم تنزل برفق من السحاب انتهى والأجزاء اللطيفة الأرضية تسمى دخاناً والمائية بخاراً.
قال ابن التمجيد : إذا أشرقت الشمس على أرض يابسة تحللت منها أجزاء نارية ويخالطها أجزاء أرضية يسمى المركب منهما دخاناً.
وفي "شرح القانون" : الفرق بين الدخان والبخار هو أن تركيب الدخان من الأجزاء الأرضية والنارية وتركيب البخار من المائية والهوائية فيكون البخار ألطف من الدخان.
﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ أي : بما ينزل من البرد والباء للتعدية.
وبالفارسية (س ميرساند آن تكرك را).
﴿مَن يَشَآءُ﴾ فيناله ما يناله من ضرر في نفسه وماله نحو الزرع والضرع والثمرة.
﴿وَيَصْرِفُه عَن مَّن يَشَآءُ﴾ فيأمن غائلته ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ أي : يقرب ضوء برق السحاب فإن السنا مقصوراً بمعنى الضوء الساطع وممدوداً بمعنى الرفعة والعلو والبرق لمعان السحاب.
وفي "القاموس" : البرق واحد بروق السحاب أو ضرب ملك السحاب وتحريكه إياه لينساق فترى النيران.
وفي "إخوان الصفاء" : البرق نار تنقدح من احتكاك تلك الأجزاء الدخانية في جوف السحاب ﴿يَذْهَبُ بِالابْصَـارِ﴾ أي : يخطفها من فرط الإضاءة وسرعة ورودها.
قال الكاشفي :(واين دليل است بر كمال قدرت كه شعلة آتش ازميان ابر آبدار بيرون مي آرد) فسبحان من يظهر الضد من الضد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٣
﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ بالمعاقبة بينهما أو بنقص أحدهما وزيادة الآخر أو بتغيير أحوالهما بالحر والبرد والظلمة والنور وغيرها مما يقع فيهما من الأمور التي من جملتها ما ذكر من إزجاء السحاب وما ترتب عليه وفي الحديث قال الله تعالى :"يؤذيني ابن آدم يَسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر اقلب الليل والنهار" كذا في "المعالم" "والوسيط".
﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ الذي فصل من
١٦٦
الازجاء إلى التقليب.
﴿لَعِبْرَةً﴾ لدلالة واضحة على وجود الصانع القديم ووحدته وكمال قدرته وإحاطة علمه بجميع الأشياء ونفاذ مشيئته وتنزهه عما لا يليق بشأنه العلي وأصل العبر تجاوز من حال إلى حال والعبرة الحالة التي يتوصل بها من معرفة المشاهد إلى ما ليس بمشاهد.
﴿لاوْلِى الابْصَـارِ﴾ لكل من يبصر ويقال لقوة القلب المدركة : بصيرة وبصر ولا يكاد يقال للجارحة بصيرة كما في "المفردات".
يعني أن من له بصيرة يعبر من المذكور إلى معرفة المدبر ذلك من القدرة التامة والعلم الشامل الدال قطعاً على الوحدانية.
وسئل سعيد بن المسيب أي : العبادة أفضل؟ قال : التفكر في خلقه والتفقه في دينه.
ويقال : العبر بأوقار والمعتبر بمثقال فعلى العاقل الاعتبار آناء الليل وأطراف النهار.
قالت رابعة القيسية رحمها الله : ما سمعت الأذان إلا ذكرت منادي يوم القيامة وما رأيت الثلوج إلا ذكرت تطاير الكتب وما رأيت الجراد إلا ذكرت الحشر.
والإشارة في الآية الكريمة أن الله تعالى يسوق السحب المتفرقة التي تنشأ من المعاصي والأخلاق الذميمة ثم يؤلف بينها ثم يجعلها متراكماً بعضها على بعض فترى مطر التوبة يخرج من خلاله كما خرج من سحاب وعصى آدم ربه فغوى مطر ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى فالإنسان من النسيان والشر جزء من البشر فإذا أذنب الإنسان فلتكن همته طلب العفو والرحمة من الله تعالى ولا يمتنع منه مستعظماً لذنبه ظاناً أن الله تعالى وصف ذاته الأزلية بالغفارية والتوابية حين لم يكن بشر ولا ذئب ولا حادث من الحوادث فاقتضى ذلك وجود الذنب من الإنسان البتة لأن المغفرة إنما هي بالنسبة إلى الذنب.
ولذا قال الحافظ :


الصفحة التالية
Icon