﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيفعل الله ما يشاء كما يشاء.
﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ﴾ أي لكل ما يليق بيانه من الأحكام الدينية والأسرار التكوينية.
﴿وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ﴾ بالتوفيق للنظر الصحيح فيها والإرشاد إلى التأمل في معانيها.
﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يعني الإسلام الذي
١٦٨
هو دين الله وطريقه إلى رضاه وجنته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٦
وفي "التأويلات النجمية" : أخبر عن سيرة هذه الدواب التي خلقت من الماء فقال :﴿فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ﴾ يعني سيرته في مشيه أن يضيع عمره في تحصيل شهوات بطنه.
﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ أي : يضيع عمره في تحصيل شهوات فرجه فإن كل حيوان إذا قصد قضاء شهوته يمشي على رجلين عند المباشرة وإن كان له أربع قوائم.
﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ﴾ أي : يضيع عمره في طلب الجاه لأن أكثر طالبي الجاه يمشي راكباً على مركوب له أربع قوائم كالخيل والبغال والحمير كما قال تعالى :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةًا وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ (النحل : ٨) من أنواع المخلوقات على مقتضى حكمته ومشيئته الأزلية لما يشاء كما يشاء إظهاراً للقدرة ليعلم أن الله على خلق كل نوع من أنواع المخلوقات والمقدورات قادر ـ ومن أخبار الرشيد ـ أنه خرج يوماً للصيد فأرسل بازياً أشهب فلم يزل يعلو حتى غاب في الهواء ثم رجع بعد اليأس منه ومعه سمكة فأحضر الرشيد العلماء وسألهم عن ذلك فقال مقاتل : يا أمير المؤمنين روينا عن جدك ابن عباس رضي الله عنهما أن الهواء معمور بأمم مختلفة الخلق سكان فيه وفيه دواب تبيض وتفرخ فيه شيئاً على هيئة السمك لها أجنحة ليست بذات ريش فأجاز مقاتلاً على ذلك وأكرمه.
﴿لَّقَدْ أَنزَلْنَآ ءَايَـاتٍ مُّبَيِّنَـاتٍ﴾ أي : أنزلنا القرآن مبينات آياته ما خلقنا من كل نوع من أنواع الإنسان المذكورة أوصافهم ولكنهم لو وكلوا إلى ما جبلوا عليه لما كانوا يهتدون إلا إلى هذه الأوصاف التي جبلوا عليها ولا يهتدون إلى صراط مستقيم هو صراط الله بإرادتهم ومشيئتهم.
﴿وَاللَّهُ يَهْدِى مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يصل به إلى الحضرة بمشيئة الله وإرادته الأزلية نسأل الله الهداية إلى سواء الطريق والتوفيق لجادة التحقيق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٦
﴿وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ﴾ نزلت في بشر المنافق خاصم يهودياً في أرض فدعاه إلى كعب بن الأشرف من أحبار اليهود ودعاه اليهود إلى النبي عليه الصلاة والسلام فصبغة الجمع للإيذان بأن للقائل طائفة يساعدونه ويتابعونه في تلك المقالة كما يقال : بنو فلان قتلوا فلاناً والقاتل منهم واحد.
﴿وَأَطَعْنَا﴾ أي : أطعناهما في الأمر والنهي والإطاعة فعل يعمل بالأمر لا غير لأنها الانقياد وهو لا يتصور إلا بعد الأمر بخلاف العباد وغيرها.
﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى﴾ يعرض عن قبول حكمه.
قال الإمام الراغب تولى إذا عدي بنفسه اقتضى معنى الولاية وحصوله في أقرب المواضع وإذا عدى بعن لفظاً أو تقديراً اقتضى معنى الإعراض وترك القرب فإن الولي القرب والتولي قد يكون بالجسم وقد يكون بترك الإصغاء والائتمار وثم يجوز أن يكون للتراخي الزماني وأن يكون لاستبعاد أمر التولي عن قولهم آمنا وأطعنا.
﴿فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ أي من القائلين.
قال في "المفردات" : الفرق القطعة المنفصلة ومنه الفرقة للجماعة المنفردة من الناس والفريق الجماعة المنفردة عن آخرين.
﴿مِنا بَعْدِ ذَالِكَ﴾ القول المذكور.
﴿وَمَآ أُوالَائكَ﴾ إشارة إلى القائلين فإن نفي الإيمان عنهم مقتض لنفيه عن الفريق المتولي بخلاف العكس أي وما أولئك الذين يدعون الإيمان والإطاعة ثم يتولى بعضهم الذين يشاركونهم في الاعتقاد والعمل.
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ حقيقة كما يعرب عنه اللام أي ليسوا بالمؤمنين المعهودين بالإخلاص في الإيمان والثبات عليه ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِه لِيَحْكُمَ﴾ أي : الرسول
١٦٩
﴿بَيْنَهُمْ﴾ لأنه المباشر للحكم حقيقة وإن كان الحكم حكم الله حقيقة وذكر الله لتفخيمه عليه السلام والإيذان بجلالة محله عنده تعالى والحكم بالشيء أن تقضى بأنه كذا وليس بكذا سواء ألزمت بذلك غيرك أو لم تلزمه.
﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ﴾ أي : فاجأ فريق منهم الإعراض عن المحاكمة إليه عليه السلام لكون الحق عليهم وعلمهم بأنه عليه السلام يحكم بالحق عليهم ولا يقبل الرشوة وهو شرح للتولي ومبالغة فيه وأعرض أظهر عرضه، أي : ناحيته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ﴾ أي : الحكم لا عليهم ﴿يَأْتُوا إِلَيْهِ﴾ إلى صلة يأتوا فإن الإتيان والمجيء يعديان بإلى.
﴿مُذْعِنِينَ﴾ منقادين لجزمهم بأنه عليه السلام يحكم لهم.


الصفحة التالية
Icon