قال في "الكواشي" : ويجوز أن تكون على زائدة فيكون المراد بالعض حقيقة العض والأكل كما روي أنه يأكل يديه حتى يبلغ مرفقيه ثم تنبتان ثم يأكلهما هكذا كلما نبتتا أكلهما تحسراً وندامة على التفريط والتقصير.
والمعنى على الأول بالفارسية :(وياد كن روزي راكه ازفرط حسرت مي خايد ظالم بردستهاي خود يعني بدندان مي كزد دسترا نانه متحيران ميكنند) والمراد بالظالم الجنس فيدخل فيه عقبة بن أبي معيط وذلك أن عقبة كان لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً وكان يدعو إلى الطعام من أهل مكة من أراد وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلّم ويعجبه حديثه فقدم ذات يوم من سفره وصنع طعاماً ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى طعامه.
قال الكاشفي :(وبسبب جوار سيد الأبرار را طلبيده بود) فأتاه رسول الله فلما قدم الطعام إليه أبى أن يأكل
٢٠٤
فقال :"ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني سول الله" وكان عندهم من العار أن يخرج من عندهم أحد قبل أن يأكل شيئاً فألح عليه بأن يأكل فلم يأكل فشهد بذلك عقبة فأكل رسول الله من طعامه وكان أبي بن خلف الجمحي غائباً وكان خليل عقبة وصديقه فلما قدم أخبر بما جرى بين عقبة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتاه فقال : صبوت يا عقبة أي ملت عن دين آبائك إلى دين حادث فقال : لا والله ما صبوت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل من طعامي إلا أن أشهد له فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم فشهدت فقال : ما أنا بالذي أرضى منك أبداً حتى تأتيه فتبزق في وجهه وتشتمه وتكذبه نعوذ بالله تعالى فأتاه فوجده ساجداً في دار الندوة ففعل ذلك : يعني (آب دهن حواله روى دلاراي رسول الله كرد) والعياذ بالله تعالى :(در ترجمة أسباب نزول آورده كه آب دهن أو شعلة آتش جانسوز كشت وبران حضرت نرسيد وبروى باز كشت وهردو كرانة روى وي بسوخت تازنده يود آن داغها مي نمود) : وفي "المثنوي" :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٤
هركه برشمع خدا آرد فو
شمع كي ميرد بسوزد وز او
كي شود دريا زز سنك نجس
كي شود خور شيدازف منطمس
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعقبة :"لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف" فأسر يوم بدر فأمر عليه السلام علياً رضي الله عنه أو عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه فقتله وطعن عليه السلام بيده الطاهرة الكاسرة أبياً اللعين يوم أحد في المبارزة فرجع إلى مكة فمات في الطريق بسرف بفتح السين المهملة وكسر الراء وهو مناسب لوصفه لأنه مسرف وفي الحديث :"شر الناس رجل قتل نبياً أو قتله نبي" أما الأول فلأن الأنبياء لهم العلو التام فلا يقابلهم إلا من هو في إنزال الدرجات ولذا يعادي السافل العالي وإذا كملت المضادة وقع القتل لأن الضد يطلب إزالة ضده.
وأما الثاني : فلأن الأنبياء مجبولون على الشفقة على الخلق فلا يقدمون على قتل أحد إلا بعد اليأس من فلاحه والتيقن بأن خيانته سبب لمزيد شقائه وتعدي ضرره فقتلهم من قتلوا من أحكام الرحمة.
وفي "المثنوي".
ونكه دندان تو كرمش درفتاد
نيست دندان بركنش أي أوستاد
تاكه باقي تن نكردد زار ازو
كره بود آن تو شو بيزار ازو
قال في "إنسان العيون" : ولم يقتل عليه السلام بيده الشريفة قط أحداً إلا أبي بن خلف لا قبل ولا بعد ﴿يَقُولُ﴾ إلخ حال من فاعل يعض.
هؤلاء ﴿لَيْتَنِى﴾ (كاشكي من) فالمنادى محذوف ويجوز أن يكون يا لمجرد التنبيه من غير قصد إلى تعيين المنبه.
﴿اتَّخَذْتُ﴾ في الدنيا ﴿مَعَ الرَّسُولِ﴾ محمد صلى الله عليه وسلّم ﴿سَبِيلا﴾ طريقاً إلى النجاة من هذه الورطات يعني اتبعته وكنت معه على الإسلام.
أي (واي برمن) والويل والويلة الهلكة ويا ويلتا كلمة جزع وتحسر وأصله يا ويلتي بكسر التاء فأبدلت الكسرة فتحة وياء المتكلم ألفاً فراراً من اجتماع الكسر مع الياء أي يا هلكتي تعالي واحضري فهذا أوان حضورك والنداء وإن كان أصله لمن يتأتى منه الإقبال وهم العقلاء إلا أن العرب تتجوز وتنادي ما لا يعقل إظهاراً
٢٠٥
للتحسر.
﴿لَيْتَنِى لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا﴾ الخليل الصديق من الخلة وهي المودة لأنها تتخلل النفس أي تتوسطها والمراد من أضله في الدنيا كائناً من كان من شياطين الجن والإنس فيدخل فيه أبيّ المذكور.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٠٤


الصفحة التالية
Icon