﴿وَكُلا﴾ منصوب بمضمر يدل عليه ما بعده أي ذكرنا وأنذرنا كل واحد من الأمم المذكورين المهلكين ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الامْثَـالَ﴾ بينا له القصص العجيبة الزاجرة عما هم عليه من الكفر والمعاصي بواسطة الرسل ﴿وَكُلا﴾ أي كل واحد منهم بعد التكذيب والإصرار.
﴿تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ أهلكنا إهلاكاً عجيباً هائلاً فإن التبر بالفتح والكسر الإهلاك والتتبير التكسير والتقطيع.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١
قال الزجاح : كل شيء كسرته وفتته فقد تبرته ومنه التبر لمكسر الزجاج وفتات الذهب والفضة قبل أن يصاغا فإذا صيغا فهما ذهب وفضة.
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا﴾ أي وبالله لقد أتى قريش في متاجرهم إلى الشام، ومروا ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِى أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ يعني : سدوم بالدال المهملة وقيل : بالذال المعجمة أعظم قرى لوط أمطرت عليها الحجارة وأهلكت فإن أهلها كانوا يعملون العمل الخبيث وكان كل حجر منها قدر إنسان.
واعلم أن قرى قوم لوط خمس ما نجا منها إلا واحدة لأن أهلها كانوا لا يعملون العمل
٢١٤
الخبيث وسدوم من التي أهلكت وتخصيصها هِنا لكونها في ممر تجار قريش وكانوا حين مرورهم بها يرونها مؤتفكة ولا يعتبرون.
وانتصاب مطر على أنه مصدر مؤكد بحذف الزوائد كما قيل في أنبته الله نباتاً حسناً أي أمطار السوء ومطر مجهولاً في الخير وأمطر في الشر وقيل : هما لغتان والسوء بفتح السين وضمها كل ما يسوء الإنسان ويغمه من البلاء والآفة.
والمعنى بالفارسية :(وبركذشتند برآن شهركه باران بد باريد يعني بروسنك بارانيده شد) وفي الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم "رأى ليلة المعراج في السماء حجارة موضوعة فسأل عن ذلك جبريل فقال : هذه الحجارة فضلت من حجارة قوم لوط خبئت للظالمين من أمتك" أي : خفيت وأعدت وذلك أن من أشراط الساعة أن يمطر السماء بعض الحبوب كالقمح والذرة ونحوهما وقد شاهدناه في عصرنا وسيأتي زمان تمطر الحجارة ونحوها على الظالمين نعوذ بالله تعالى :﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ (آيا نمى ديدند آنرا سرنكون) أي في مرار مرورهم فيخافوا ويعتبروا ويؤمنوا ﴿بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ حقيقة الرجاء انتظار الخير وظن حصول ما فيه مسرة وليس النشور أي إحياء الميت خيراً مؤدياً إلى المسرة في حق الكافر فهو مجاز عن التوقع والتوقع يستعمل في الخير والشر فأمكن أن يتصور النسبة بين الكافر وتوقع النشور.
والمعنى بل كانوا كفرة لا يتوقعون نشوراً، أي ينكرون النشور المستتبع للجزاء الأخروي ولا يرون لنفس من النفوس نشوراً أصلاً مع تحققه حتماً وشموله للناس عموماً واطراده وقوعاً فكيف يعترفون بالجزاء الدنيوي في حق طائفة خاصة مع عدم الاطراد والملازمة بينه وبين المعاصي حتى يتذكروا ويتعظوا بما شاهدوه من آثار الهلاك وإنما يحملونه على الاتفاقات.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١
واعلم أن النشور لا ينكره إلا الكفور وقد جعل الله الربيع في الدنيا شاهداً له ومشيراً لوقوعه وفي الخبر :"إذا رأيتم الربيع فاذكروا النشور" والربيع مثل يوم النشور لأن الربيع وقت إلقاء البذر ويكون الزارع قلبه معلقاً إلى ذلك الوقت أيخرج أم لا فكذلك المؤمن يجتهد في طاعته وقلبه يكون معلقاً بين الخوف والرجاء إلى يوم القيامة أيقبل الله تعالى منه أم لا ثم إذا خرج الزرع وأدرك يحصد ويداس ويذرى ثم يطحن ويعجن ويخبز وإذا خرج من التنور بلا احتراق يصلح للخوان ولو احترق ضاع عمله وبطل سعيه وكذلك العبد يصلي ويصوم ويزكي ويحج فإذا جاء ملك الموت وحصد روحه بمنجل الموت وجعلوه في القبر يكون فيه إلى يوم القيامة وإذا جاء يوم القيامة وخرج من قبره ووقع الحشر والنشور وأمر به إلى الصراط فإذا جاوز الصراط سالماً فقد صلح للرؤية وإلا فقد هلك فعلى العاقل أن يتفكر في المنشور ويتذكر عاقبة الأمور : وفي "المثنوي" :
فضل مردان برزن أي حالي رست
زان بودكه مرد ايان بين ترست
مردكاندر عاقبت بيني خمست
أو زاهل عاقبت اززن كمست
ازجهان دو بانك مي آيد بضد
تاكدامين را تو باشي مستعد
آن يكي بانكش نشور اتقيا
وين دكر بانكش فريب اشقيا
آن يكي بانك اين كه اينك حاضرم
بانك ديكر بنكر اندر آخرم
٢١٥
من شكوفه خارم أي فخر كبار
كل بريزم من نمايم شاخ خار
بانك اشكوفه اش كه اينك كل فروش
بانك خارش أوكه سوى ما مكوش
أي خنك آن كو زاول آن شنيد
كش عقول ومستمع مردان شنيد
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢١١