قال الراغب : الملح الماء الذي تغير طعمه التغير المعروف وتجمد ويقال له ملح إذا تغير طعمه وإن لم يتجمد فيقال ماء ملح وقلما تقول العرب ماء مالح ﴿أُجَاجٌ﴾ بليغ الملوحة صفة الملح قالوا : إن الله تعالى خلق ماء البحر مرّاً زعاقاً أي مرجاً غليظاً بحيث لا يطاق شربه أنزل من السماء ماء عذباً فكل ماء عذب من بئر أو نهر أو عين فمن ذلك المنزل من السماء وإذا اقتربت الساعة بعث الله ملكاً معه طست لا يعلم عظمه إلا الله فجمع تلك المياه فردها إلى الجنة.
واختلفوا في ملوحة ماء البحر فزعم قوم أنه لما طال مكثه وأحرفته الشمس صار مراً ملحاً واجتذب الهواء ما لطف من أجزائه فهو بقية صفته الأرض من الرطوبة فغلظ لذلك.
وزعم آخرون أن في البحر عروقاً تغير ماء البحر ولذلك صار مراً زعاقاً.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا﴾ أي بين البحرين.
وبالفارسية (وبساخت ميان اين دودريا).
﴿بَرْزَخًا﴾ حداً وحاجزاً من قدرته غير مرئي ﴿وَحِجْرًا مَّحْجُورًا﴾ الحجر بمعنى المنع والمحجور الممنوع وهو صفة الحجر على التأكيد كليل أليل ويوم أيوم وهذه كلمة استعاذة كما سبق في هذه السورة.
والمعنى ههنا على التشبيه أي تنافراً بليغاً كأن كلاً منهما يتعوذ من الآخر بتلك المقالة ويقول حراماً محرماً عليك أن تغلب
٢٢٨
علي وتزيل صفتي وكيفيتي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٨
اعلم أن أكثر أهل التفسير حمل البحرين على بحري فارس والروم فإنهما يلتقيان في البحر المحيط وموضع التقائهما هو مجمع البحرين المذكور في الكهف ولكن يلزم على هذا أن يكون البحر الأول عذباً والثاني ملحاً مع أنهم قالوا : لا وجود للبحر العذب وذلك لأنهما في الأصل خليجان من المحيط وهو مرّ وإن كان أصله عذباً كما قال في "فتح القريب" عند قوله تعالى :﴿وَكَانَ عَرْشُه عَلَى الْمَآءِ﴾ (هود : ٧) أي العذب فحين خلق الله الأرض من زبده جزر المحيط عن الأرض فأحاط بالعالم إحاطة العين لسوادها فالوجه أن يحمل العذب على واحد من الأنهار فإن كل نهر عظيم بحر كما في "مختار الصحاح" كدجلة نهر بغداد تنصب إلى بحر فارس وتدخل فيه وتشقه وتجري في خلاله فراسخ لا يتغير طعمها كما أن الماء الذي يجرى في نهر طبرية نصفه بارد ونصفه حار فلا يختلط أحدهما بالآخر و الأوجه أن يمثل بالنيل المبارك والبحر الأخضر وهو بحر فارس الذي هو شعبة من البحر الهندي الذي يتصل بالبحر المحيط وبحر فارس مرّ فإنه صرح في "خريدة العجائب" أنه يتكون فيه اللؤلؤ وإنما يتكون في الملح وذلك أن بحر النيل يدخل في البحر الأخضر قبل أن يصل إلى بحيرة الزنج ويختلط به وهو معنى المرج ولولا اختلاطه بملوحته لما قدر أحد على شربه لشدة حلاوته كما في "إنسان العيون".
وذكر بعضهم أن سيحون وجيحون والنيل والفرات تخرج من قبة من زبرجدة خضراء من جبل عال وتسلك على البحر المظلم وهي أحلى من العسل وأذكى رائحة من المسك ولكنها تتغير المجارى فالبحر الملح على هذا هو بحر الظلمة وهو البحر المحيط الغربي ويسمى المظلم لكثرة أهواله وارتفاع أمواجه وصعوبته ولا يعلم ما خلفه إلا الله تعالى وما قيل أن الماء العذب والماء الملح يجتمعان في البحر فيكون العذب أسفل والملح أعلى لا يغلب أحدهما على الآخر وهو معنى قوله وحجراً محجوراً يخالف ما قال بعضهم أن كل الأنهار تبتدىء من الجبال وتنصب في البحار وفي ضمن ممرها بطائح وبحيرات فإذا صبت في البحر المالح وأشرقت الشمس على البحر تصعد إلى الجو بخاراً وتنعقد غيوماً أي ولذا لا يزيد ماء البحار بانصباب الأنهار فيها فهو يقتضي أن يكون الماء العذب أعلى لا أسفل إذ العذب خفيف والملح ثقيل وميل الخفيف إلى الأعلى.
وقال وهب : إن الحوت والثور يبتلعان ما ينصب من مياه الأرض في البحار فلذا لا يزيد ماء البحار فإذا امتلأت أجوافهما من المياه قامت القيامة ولا نهاية لقدرة الله تعالى فقد ذكروا أن بحيرة تنيس تصير عذبة ستة أشهر وتصير ملحاً أجاجاً ستة أشهر كذا دأبها أبداً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٨
قال الكاشفي :(محققان بر آنندكه بحرين خوف ورجاست كه دردل مؤمن هي يك برديكرى غلبه نكندكه "لو وزن خوف المؤمن ورجاؤه لاعتدلا" وبرزخ حمايت الهي وعنايت نا متناهي) وفي "كشف الأسرار" : البحر الملح لا عذوبة فيه والعذب لا ملوحة فيه وهما في الجوهرية واحدة ولكنه سبحانه بقدرته غاير بينهما في الصفة كذلك خلق القلوب بعضها معدن اليقين والعرفان وبعضها محل الشك والكفران.
وقال بعضهم : البحران بحر المعرفة وبحر النكرة فالأول بحر الصفات يفيض لطائفة على الأرواح والقلوب والعقول ويستعد به والعارفون والثاني بحر الذات فإنه ملح أجاج لا تتناوله العقول والقلوب والأرواح إذ لا تسير السيارات في بحار
٢٢٩


الصفحة التالية
Icon