وقصة المرآة أنه كان في أعلى المنار الذي ارتفاعه ثلاثمائة ذراع إلى القبة مرآة غريبة قد عملها الحكماء للإسكندر يرى فيها المراكب من مسيرة شهر وكان بالمرآة أعمال وحركات تحرق المراكب في البحر إذا كان فيها عدو بقوة شعاعها فأرسل صاحب الروم يخدع صاحب مصر ويقول : إن الإسكندر قد كنز على المنار كنزاً عظيماً من الجواهر النفيسة فإن صدقت فبادر إلى إخراجها ولك أيضاً من الكنز ما تشاء فانخدع لذلك وظنه حقاً فهدم القبة فلم يجد شيئاً وفسد طلسم المرآة.
وأما مكة المشرفة المكرمة فهي مدينة قديمة غنية عن البيان وفيها كعبة الإسلام وقبلة المؤمنين والحج إليها أحد أركان الدين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٨
ويقال : الطاء طوله أي قدرته.
والسين سناؤه أي رفعته.
والميم ملكه ومجده فأقسم الله بهذه.
ويقال : يشير إلى طاء طيران الطائرين بالله وإلى سين السائرين إلى الله.
وإلى ميم مشي الماشين فالأول مرتبة أهل النهاية والثاني مرتبة أهل التوسط والثالث مرتبة أهل البداية ولكل
٢٥٨
سالك خطوة ولكل طائر جناح.
ويقال : الطاء إشارة إلى طهارة أسرار أهل التوحيد.
والسين إشارة إلى سلامة قلوبهم عن مساكنة كل مخلوق.
والميم إشارة إلى منة الخالق عليهم بذلك.
وقال سيد الطائفة الجنيد قدس سره : الطاء طرق التائبين في ميدان الرحمن.
والسين سرور العارفين في ميدان الوصلة.
والميم مقام المحبين في ميدان القربة.
وقال نجم الدين قدس سره : يشير إلى طاء طهارة قلب نبيه عن تعلقات الكونين.
وإلى سين سيادته على الأنبياء والمرسلين.
وإلى ميم مشاهدة جمال رب العالمين.
وقال الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه : أقسم الله بشجرة طوبى وسدرة المنتهى ومحمد المصطفى بالقرآن بقوله :﴿طسام﴾ فالطاء شجرة طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى عليه الصلاة والسلام.
أما سر اصطفاء طوبى فإن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلي الحق سبحانه وفيه مقام الوسيلة لخير البرية وغرس شجرة طوبى بيده فبي جنة عدن وأطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظلة على سائر الجنان كلها وليس في أكمامها ثمر إلا الحلي والحلل لباس أهل الجنة وزينتهم ولها اختصاص فضل لكونها خلقها الله بيده ولذلك كانت أجمع الحقائق الجنانية نعمة وأعمها بركة فإنها لجميع أشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر من البنين وما في الجنة نهر إلا وهو يجري من أصل تلك الشجرة وهي محمدية المقام.
وأما سر اجتباء سدرة المنتهى فهي شجرة بين الكرسي والسماء السابعة لأفنانها حنين بأنواع التسبيحات والتحميدات والترجيعات عجيبة الألحان تطرب بها الأرواح والقلوب وتزيد في الأحوال وهي الحد البرزخي بين الدارين سماها المنتهى لأن الأرواح إليها تنتهي وتصعد أعمال أهل الأرض من السعداء وإليها تنزل الأحكام الشرعية وأم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ملائكة السموات في الوتر فكان إمام الأنبياء في بيت المقدس وإمام الملائكة عند سدرة المنتهى فظهر بذلك فضله على أهل الأرض والسماء كما في تفسير "التيسير" وهي مقام جبريل يسكن في ذروتها كما أن مقر العقل وسط الدماغ وذلك لأن جبريل سدرة العقل ومقامه إشارة إلى مقام العقل وهو الدماغ ولذلك من رأى جبريل فإنما رأى صورة عقله لأن جبريل لا يرى من مقام تعينه لغير الأنبياء عليهم السلام.
وآخر الميم المشاربه إلى محمد المصطفى صلى الله عليه وسلّم لسر الختمية وكما أن ختم الأنبياء بسيد المرسلين كذلك ختم حروف الهجاء بالياء المشتمل عليها لفظ الميم فقد جمع الله في القسم بقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿طسم﴾ ثلاث حقائق وهي أصول الحقائق كلها.
الأولى حقيقة جنانية نعمية جامعة وهي شجرة طوبى ولذا أودعها الله في المقام المحمدي لكونها جامعة للنعم الجنانية ومقسماً لها كما أن النبي عليه السلام مقسم العلوم والمعارف وأنواع الكمالات.
والثانية حقيقة برزخية جامعة لحقائق الدارين وهي شجرة سدرة المنتهى فأغصانها نعيم لأهل الجنة وأصولها زقوم لأهل النار لأنها في مقعر فلك البروج وهو الفلك الأعظم ويسمى فلك الأفلاك لأنه يجمع الأفلاك وأيضاً الفلك الأطلس لأنه غير مكوكب كالثوب الأطلس الخالي عن النقش ومقعر سطحيه أي الفلك الأعظم يماس محدب الفلك الواثب ومحدبه لا يماس شيئاً إذ ليس وراءه شيء لاخلاء ولاملاء بل عنده
٢٥٩
ينقطع امتدادات العالم كلها.
وقيل : في ورائه أفلاك من أنوار غير متناهية ولا قائل بالخلاء فيما تحت الفلك الأعظم بل هو الملأ كذا في كتب الهيئة وعند الصوفية المقام الذي يقال له لاخلاء ولاملاء فوق عالم الأرواح لا فوق العرش.


الصفحة التالية
Icon