وفيه دليل على أن التبحر في كل فن نافع فإن السحرة ما تيقنوا بأن ما فعل موسى معجزهم إلا بمهارتهم في فن السحر، وعلى أن منتهى السحر تمويه وتزوير وتخييل شيء لا حقيقة له، وجه الدلالة أن حقيقة الشيء لو انقلبت إلى حقيقة شيء آخر بالسحر لما عدوا انقلاب العصا حية من قبيل المعجزة الخارجة عن حد السحر ولما خروا ساجدين عند مشاهدته وقد سبق تفصيل السحر في سورة طه.
قال بعض الكبار : السحر مأخوذ من السحر وهو مابين الفجر الأول والفجر الثاني وحقيقته اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار كذلك ما فعله السحرة ما هو باطل محقق فيكون عدماً فإن العين أدركت أمراً لاتشك فيه وما هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس هو في نفسه كما تشهد العين ويظنه الرائي.
قال الشعراني بعد ما نقله : هوكلام نفيس ما سمعنا مثله قط.
﴿قَالُوا﴾ (ازروى بدلصدق).
﴿ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ بدل اشتمال من ألقى فلذلك لم يتخلل بينهما عاطف انظر كيف أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء مسلمين مؤمنين فالمغرور من اعتمد على شيء من أعماله وأقواله وأحواله.
قال الحافظ.
بر عمل تكيه مكن زانكه دران روزازل
توه داني قلم صنع بنامت ه نوشت
وقال :
مكن بنامه سياهي ملامت من مست
كه آكهست كه تقدير بر سرش ه نوشت
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٣
﴿رَبِّ مُوسَى وَهَـارُونَ﴾ بدل من رب العالمين لدفع توهم إرادة فرعون حيث كان قومه الجهلة يسمونه بذلك ولو وقفوا على رب العالمين لقال فرعون : أنا رب العالمين إياي عنوا فزادوا رب موسى وهارون فارتفع الإشكال.
﴿قَالَ﴾ فرعون للسحرة ﴿ءَامَنتُمْ﴾ على صيغة الخبر ويجوز تقدير همزة استفهام في الأعراف.
﴿لَهُ﴾ أي لموسى ﴿قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ﴾ (يش ازانكه اجازت ودستوري دهم شمارا درايمان بوي) أي بغير إذن لكم من جانبي كما في قوله تعالى :﴿لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَـاتُ رَبِّى﴾ (الكهف : ١٠٩) لا أن أذن الإيمان منه ممكن أو متوقع.
﴿إِنَّهُ﴾ موسى ﴿لَكَبِيرُكُمُ الَّذِى عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ فواضعكم على ما فعلتم وتواطأتم عليه يعني (بايكديكر اتفاق كرديد دلاهلاك من وفساد ملك من) كما قال في الأعراف :﴿إِنَّ هَـاذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِى الْمَدِينَةِ﴾ أي قبل أن تخرجوا إلى هذا الموضع أو علمكم شيئاً دون شيء فلذلك غلبكم أراد بذلك التلبيس على قومه كي لا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق.
٢٧٤
﴿فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ أي : وبال ما فعلتم واللام للتأكيد لا للحال فلذا اجتمعت بحرف الاستقبال ثم بين ما أودعهم به فقال :﴿لاقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم﴾ لفظ التفعيل وهو التقطيع لكثرة الأيدي والأرجل كما تقول : فتحت الباب وفتحت الأبواب.
﴿مِّنْ خِلَـافٍ﴾ من كل شق طرفاً وهو أن يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وذلك زمانه من جانب البدن كما في "كشف الأسرار" وهو أول من قطع من خلاف وصلب كما في "فتح الرحمن".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٤
وقال بعضهم : من للتعليل.
يعني (برأي خلا في كه بامن كرديد) وذلك لأن القطع المذكور لكونه تخفيفاً للعقوبة واحترازاً عن تفويت منفعة البطش على الجاني لا يناسب حال فرعون ولما هو بصدده إلا أن يحمل على حمقه حيث أوعد لهم في موضع التغليظ بما وضع للتخفيف انتهى وذلك وهم محض لأنه يدفعه قوله :﴿وَلاصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (وهر آينه بردار كنم همهٌ شمارا أي على شاطىء البحر تا بميريد وهمه مخالفان عبرت كيرند).
قال في "الكشف" : أي أجمع عليكم التقطيع والصلب ـ ـ روى ـ أنه علقهم على جذوع النخل حتى ماتوا وفي الأعراف :﴿ثُمَّ لاصَلِّبَنَّكُمْ﴾ (الأعراف : ١٢٤) فأوقع المهلة ليكون هذا التصليب لعذابهم أشد ﴿قَالُوا﴾ أي : السحرة المؤمنون ﴿لا ضَيْرَ﴾ مصدر ضاره يضيره ضيراً إذا ضره أي لا ضرر فيه علينا.
وبالفارسية (هي ضرر ينيست برما ازتهديد تو وما ازمرك نمي ترسيم) ﴿إِنَّآ إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ﴾ راجعون فيثيبنا بالصبر على ما فعلت ويجازينا على الثبات على التوحيد.
وفي الآية دلالة على أن للإنسان أن يظهر الحق وإن خاف القتل.
قال ابن عطاء : من اتصلت مشاهدته بالحقيقة احتمل معها كل وارد يرد عليه من محبوب ومكروه ألا نرى أن السحرة لما صحت مشاهدتهم كيف قالوا : لا ضير؟ قال السعدي في حق أهل الله :
دما دم شراب ألم در كشند
وكر تلخ بينند دم دركشند
نه تلخست صبري كه بريادواست
كه تلخي شكر باشدازدست دوست
قال الحافظ :
عاشقا نراكردر آتش مي سندد لطف يار
تنك شمم كرنظر شمهٌ كوثر كنم
وقال :
اكر بلطف بخواني مزيد الطافست
وكر بقهر براني درون ما صافست
﴿إِنَّا نَطْمَعُ﴾ نرجو.