جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠١
﴿وَتَذَرُونَ﴾ تتركون يقال : فلان يذر الشيء أي يقذفه لقلة إعداده به ولم يستعمل ماضيه.
﴿مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم﴾ لأجل استمتاعكم ﴿مِّنْ أَزْوَاجِكُم﴾ (اززنان شما) ومن لبيان أن ما أريد به جنس الإناث وللتبعيض إن أريد به العضو المباح منهن وهو القبل تعريضاً بأنهم كانوا يفعلون بنسائهم أيضاً فتكون الآية دليلاً على حرمة أدبار الزوجات والمملوكات وفي الحديث :"من أتى امرأة في دبرها فهو بريء مما أنزل على محمد ولا ينظر الله إليه".
وقال بعض الصحابة : قد كفر ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ﴾ متجاوزون الحد في جميع المعاصي وهذا من جملتها.
واختلفوا
٣٠١
في اللوطي فقال أبو حنيفة : يعزر ولا حد عليه خلافاً لصاحبيه وقد سبق شرحه في سورة هود وقال مالك : يجب على الفاعل والمفعول به الرجم أحصنا أو لم يحصنا وعند الشافعي وأحمد حكمه حكم الزنى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠١
﴿قَالُوا﴾ مهددين ﴿لَـاـاِن لَّمْ تَنتَهِ يا لُوطُ﴾ أي : عن تقبيح أمرنا وإنكارك علينا ﴿لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ﴾ من المعهودين بالنفي والإخراج من القرية على عنف وسوء حال.
﴿قَالَ إِنِّى لِعَمَلِكُم﴾ يعني إتيان الرجال.
﴿مِّنَ الْقَالِينَ﴾ من المبغضين أشد البغض كأنه يقلي الفؤاد والكبد لشدته أي ينضج لا أقف عن الإنكار عليه بالإيعاد وهو اسم فاعل من القلي وهو البغض الشديد متعلق بمحذوف، أي لقال من القالين ومبغض من المبغضين وذلك المحذوف وهو قالٍ خبر إن ومن القالين صفته وقوله لعملكم متعلق بالخبر المحذوف ولو جعل من القالين خبر إن لعمل القالين في لعملكم فيفضي إلى تقديم الصلة على الموصول ولعله عليه السلام أراد إظهارالكراهة في مساكنتهم والرغبة في الخلاص من سوء جوارهم ولذلك أعرض عن محاورتهم وتوجه إلى الله قائلاً.
﴿رَبُّ﴾ (أي رورد كار من) ﴿نَجِّنِى﴾ خلصني ﴿وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾ أي : من شؤم عملهم الخبيث وعذابه.
﴿فَنَجِّيْنَـاهُ وَأَهْلَه أَجْمَعِينَ﴾ أي أهل بيته ومن اتبعهم في الدنيا بإخراجهم من بينهم وقت مشارقة حلول العذاب بهم.
﴿إِلا عَجُوزًا﴾ هي امرأة لوط اسمها والهة استثنيت من أهله فلا يضره كونها كافرة لأن لها شركة في الأهلية بحق الزوج.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٢
قال الراغب : العجوز سميت لعجزها عن كثير من الأمور ﴿فِى الْغَـابِرِينَ﴾ أي : مقدراً كونها من الباقين في العذاب لأنها كانت مائلة إلى القوم راضية بفعلهم وقد أصابها الحجر في الطريق فأهلكها ـ وذكر ـ ـ أن امرأة لوط حين سمعت الرجفة التفتت وحدها فمسخت حجراً وذلك الحجر في رأس كل شهر يحيض كذا في كتاب "التعريف" للإمام السهيلي.
قال في "المفردات" : الغابر الماكث بعد مضي من معه قال تعالى :﴿إِلا عَجُوزًا فِى الْغَـابِرِينَ﴾ يعني : فيمن طال أعمارهم وقيل فيمن بقي ولم يسر مع لوط وقيل فيمن بقي في العذاب.
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا الاخَرِينَ﴾ أهلكناهم أشد الإهلاك وأفظعه بقلب بلدتهم والتدمير إدخال الهلاك على الشيء والدمار الهلاك على وجه عجيب هائل.
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم﴾ أي على الخارجين من بلادهم والكائنين مسافرين وقت الاتفاك والقلب.
﴿مَّطَرًا﴾ أي : مطراً غير معهود وهو الحجارة.
﴿فَسَآءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ بئس مطر من أنذر فلم يؤمن لم يرد بالمنذرين قوماً بأعيانهم فإن شرط أفعال المدح والذم أن يكون فاعلهما معرفاً بلام الجنس أو يكون مضافاً إلى المعرف به أو مضمراً مميزاً بنكرة والمخصوص بالذم محذوف وهو مطرهم.
﴿إِنَّ فِي ذَالِكَ﴾ الذي فعل بقوم لوط.
﴿لايَةً﴾ لعبرة لمن بعدهم فليجتنبوا عن قبيح فعلهم كي لا ينزل بهم ما نزل بقوم لوط من العذاب.
﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (كه جزدو دختر لوط ودو دامايد وي نكرديده بودند).
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ بقهر الأعداء.
﴿الرَّحِيمُ﴾ بنصرة الأولياء أو لا يعذب قبل التنبيه والإرشاد وتعذيبه أهل العذاب من كمال رحمته على أهل الثواب ألا ترى أن قطع اليد المتآكلة سبب لسلامة البدن كله فالعالم بمنزلة الجسد وأهل الفساد بمنزلة اليد المتآكلة وراحة أهل الصلاح في إزالة أهل الفساد.
وفي "المثنوي" :
٣٠٢
ونكه دندان توكرمش درفتاد
نيست دندان بركنش أي اوستاد
باقىء تن تانكردد زار ازو
كره بود آن توشو بيزار ازو
ولو لم يكن في العزة والقهر فائدة لما وضعت الحدود.
وقد قيل : إقامة الحدود خير من خصب الزمان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٠٢
قال إدريس عليه السلام من سكن موضعاً ليس فيه سلطان قاهر وقاض عادل وطبيب عالم وسوق قائمة ونهر جار فقد ضيع نفسه وأهله وماله وولده فعلى العاقل أن يحترز عن الشهوات ويهاجر العادات ويجاهد نفسه من طريق اللطف والقهر في جميع الحالات.


الصفحة التالية
Icon