قال الإمام السهيلي رحمه الله : فهم سبب الاستثناء فلو سماهم بأسمائهم الأعلام كان الاستثناء مقصوراً عليهم والمدح مخصوصاً بهم ولكن ذكرهم بهذه الصفة ليدخل معهم في هذا الاستثناء كل من اقتدى بهم شاعراً كان أو خطيباً أو غير ذلك انتهى.
وفي "التأويلات النجمية" : لأرباب القلوب في الشعر سلوك على إقدام التفكر بنور الإيمان وقوة العمل الصالح وتأييد الذكر الكثير ليصلوا إلى أعلى درجات القرب وتؤيدهم الملائكة بدقائق المعاني بل يوفقهم الله لاستجلاب الحقائق ويلهمهم بألفاظ الدقائق فبالإلهام يهيمون
٣١٦
في كل وادٍ من المواعظ الحسنة والحكم البالغة وذم الدنيا وتركها وتزيين الآخرة وطلبها وتشويق العباد وتحبيبهم إلى الله وتحبيب الله إليهم وشرح المعارف وبيان الموصل والحث على السير والتحذير عن الألفاظ القاطعة للسير وذكر الله وثنائه ومدح النبي عليه السلام والصحابة وهجاء الكفار انتصاراً كما قال عليه السلام لحسان :"اهج المشركين فإن جبريل معك" انتهى.
والجمهور على إباحة الشعر ثم المذموم منه ما فيه كذب وقبح وما لم يكن كذلك فإن غلب على صاحبه بحيث يشغله عن الذكر وتلاوة القرآن فمذموم ولذا قال من قال :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٤
درقيامت نرسد شعر بفرياد كسى
كه سراسر سخنش حكمت يونان كردد
وإن لم يغلب كذلك فلا ذم فيه وفي الحديث :"إن من الشعر لحكمة" أي : كلاماً نافعاً يمنع عهن الجهل والسفه وكان علي رضى الله عنه أشعر الخلفاء وكانت عائشة رضي الله عنها أبلغ من الكل.
قال الكاشفي :(حضرت حقائق بناهي در ديباجه ديوان أول آورلاده اندكه هرند قادر حكيم جل ذكره درآيت كريمهٌ.
﴿وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُانَ﴾ شعرا راكه سياحان بحر شعرند جميع ساخته وكمند دام استغراق دركردن انداخته كاه درغرقابه بي حد وغايت غوايت مي اندازد وكاه تشنه لب دروادىء حيرت وضلالت سر كردان ميسازد وأما بسيارى ازايشان بواسطه إصلاح عمل وصدق إيمان درزورق أمان.
﴿إِلا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ تشنه اندبوسيله بادبان ﴿وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ بساحل خلاص وناحيت نجات يوسته ويكي ازافاضل كفته است) :
شاعرانراكره غاوى كفت درقرآن خداى
هست ازيشان هم بقرآن ظاهر استثناي ما
ولما كان الشعر مما لا ينبغي للأنبياء عليهم السلام لم يصدر من النبي عليه السلام بطريق الإنشاء دون الإنشاد إلا ما كان بغير قصد منه وكان كل كمال بشرى تحت علمه الجامع فكان يجيب كل فصيح وبليغ وشاعر وأشعر وكل قبيلة بلغاتهم وعباراتهم وكان يعلم الكتاب علم الخط وأهل الحرف حرفتهم ولذا كان رحمة للعالمين.
﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ على أنفسهم بالشعر المنهي عنه وغيره فهو عام لكل ظالم والسين للتأكيد ﴿أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ أي : منصوب ينقلبون على المصدر لا بقوله سيعلم لأن أياً وسائر أسماء الاستفهام لا يعمل فيها ما قبلها وقدم على عامله لتضمنه معنى الاستفهام وهو متعلق بسيعلم ساداً مسد مفعوليه.
والمنقلب بمعنى الانقلاب أي الرجوع.
والمعنى ينقلبون أي الانقلاب ويرجعون إليه بعد مماتهم أي الرجوع أي ينقلبون انقلاباً سوءاً ويرجعون رجوعاً شراً لأن مصيرهم إلى النار.
وقال الكاشفي :(بكدام مكان خواهند كشت واو آنست كه منقلب إيشان آت خواهدبود).
روي : أنه لما أيس أبو بكر رضي الله عنه من حياته استكتب عثمان رضي الله عنه كتاب العهد وهو هذا ما عهد ابن أبي قحافة إلى المؤمنين في الحال التي يؤمن فيها الكافر ثم قال بعد ما غشى عليه وأفاق : إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنه عدل فذلك ظني فيه وإن لم يعدل سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
والظلم هو الانحراف عن العدالة والعدول عن الحق الجاري مجرى النقطة من الدائرة.
والظلمة ثلاثة.
الظالم الأعظم وهو الذي لا يدخل تحت شريعة الله وإياه قصد تعالى بقوله :﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ (لقمان : ١٣) والأوسط هو الذي لا يلزم حكم
٣١٧
السلطان.
والأصغر هو الذي يتعطل عن المكاسب والأعمال فيأخذ منافع الناس ولا يعطيهم منفعته ومن فضيلة العدالة أن الجور الذي هو ضدها لا يستتب إلا بها فلو أن لصوصاً تشارطوا فيما بينهم شرطاً فلم يراعوا العدالة فيه لم ينتظم أمرهم.
فعلى العاقل أن يصيخ إلى الوعيد والتهديد الأكيد فيرجع عن الظلم والجور وإن كان عادلاً فنعوذ بالله من الجور بعد الكور والله المعين لكل سالك والمنجي في المسالك من المهالك.
تمت سورة الشعراء يوم الخميس وهو التاسع من ذي القعدة من سنة ثمان ومائة وألف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٤


الصفحة التالية
Icon