وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى سليمان عليه السلام كان واقفاً على أن في أمته من هو أهل الكرامة فأراد أن يظهر كرامته ليعلم أن في أمم الأنبياء من يكون أهل الكرامات فلا ينكر مؤمن كرامات الأولياء كما أنكرت المعتزلة فإن أدنى مفسدة الإنكار حرمان المنكر من درجة الكرامة كحرمان أهل البدع والأهواء منها ولا يظنن جاهل
٣٤٨
أن سليمان لم يكن قادراً على الإتيان بعرشها ولم يكن له ولاية هذه الكرامات فإنه أمرهم بذلك لإظهار أهل الكرامات من أمته ولأن كرامات الأولياء من جملة معجزات الأنبياء فإنها دالة على صدق نبوتهم وحقيقة دينهم أيضاً انتهى.
قال الشيخ داود القيصري رحمه الله : خوارق العادات قلما تصدر من الأقطاب والخلفاء بل من وزرائهم وخلفائهم لقيامهم بالعبودية التامة واتصافهم بالفقر الكلي فلا يتصرفون لأنفسهم في شيء ومن جملة كمالات الأقطاب ومنن الله عليهم أن لا يبتليهم بصحبة الجلاء بل يرزقهم صحبة العلماء والأمناء يحملون عنهم أثقالهم وينفذون أحكامهم وأقوالهم كآصف وسليمان.
وقال بعض العارفين لا يلزم لمن كان كامل زمانه أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة كما أشار إليه عليه السلام بقوله في قصة تأبير النخل "أنتم أعلم بأمور دنياكم" فذلك لا يقدح في مقام الكامل لأن التفرد بكل كمال لحضرة الألوهية والربوبية وما سواه وسيم بالعجز والنقص ولكل أحد اختصاص من وجه في الكمال الخاص كموسى والخضر عليهما السلام وإن كان الكليم أفضل زمانه كسليمان عليه السلام فانظر سر الاختصاص في قوله :﴿فَفَهَّمْنَـاهَا سُلَيْمَـانَ﴾ (الأنبياء : ٧٩) مع الخليفة أبيه داود حين اختلف رجل وامرأة في ولد لهما أسود فقالت المرأة : هو ابن هذا الرجل وأنكر الرجل فقال سليمان : هل جامعتها في حال الحيض؟ فقال : نعم قال : هو لك وإنما سود الله وجهه عقوبة لكما فهذا من باب الاختصاص.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٦
﴿قَالَ عِفْرِيتٌ﴾ مارد خبيث ﴿مِّن الْجِنِّ﴾ بيان له إذ يقال للرجل الخبيث المنكر المعفر وأقرانه : عفريت.
وفي "المفردات" : العفريت من الجن هو الفاره الخبيث ويستعار ذلك للإنسان استعارة الشيطان له انتهى مأخوذ من العفر محركة ويسكن وهو ظاهر التراب فكأنه يصرع قرنه عليه ويمرغه فيه وأصله عفر زيدت فيه التاء مبالغة كما في "الكواشي" وكان اسم ذلك العفريت ذكوان.
وفي "فتح الرحمن" : كوذي أو اصطخر سيد الجن وكان قبل ذلك متمرداً على سليمان واصطخر فارس تنسب إليه وكان الجني كالجبل العظيم يضع قدمه عند منتهى طرفه ﴿أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ﴾ أي بعرشها ﴿قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ أي من مجلسك للحكومة وكان يجلس إلى نصف النهار وآتيك إما صيغة مضارع.
فالمعنى بالفارسية (من بيارم آنرا بتو) أو فاعل.
والمعنى (من آرنده أم آنرا بتو) وهو الأنسب لمقام إدعاء الإتيان لا محالة وأوفق بما عطف عليه من الجملة الاسمية أي أنا آت به في تلك المدة ألبتة.
﴿وَإِنِّى عَلَيْهِ﴾ أي : على الإتيان.
﴿لَقَوِىٌّ﴾ لا يثقل عليّ حمله ﴿أَمِينٌ﴾ على ما فيه من الجواهر والنفائس ولا أبدله بغيره.
﴿قَالَ﴾ حين قال سليمان : أريد أسرع من هذا يعني (زودترا زين خواهم) ﴿الَّذِى عِندَه عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـابِ﴾ وهو آصف بن برخيا بن خالة سلميان وزيره وكاتبه ومؤدبه في حال صغيره وكان رجلاً صديقاً يقرأ الكتب الإلهية ويعلم الاسم الأعظم الذي إذا دعا الله به أجاب وقد خلقه الله لنصرة سليمان ونفاذ أمره فالمراد بالكتاب جنس الكتب المنزلة على موسى وإبراهيم وغيرهما أو اللوح وأسراره المكتومة.
وقال المعتزلة : المراد به جبرائيل وذلك لأنهم لا يرون كرامة الأولياء.
﴿أَنَا ءَاتِيكَ بِه قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ الارتداد الرجوع والطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر
٣٤٩
إلى شيء والارتاد انضمامها ولكونه أمراً طبيعياً غير منوط بالتحريك أوثر الارتداد على الرد ويعبر بالطرف عن النظر إذا كان تحريك الجفن يلازمه النظر وهذا غاية في الإسراع ومثل فيه لأنه ليس بين تحريك الأجفان مدة ما.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٦
قال الكاشفي :(سليمان دستوري داوداو بسجده درافتاد وكفت يا حي يا قيوم كه بعيري آهيا شراهيا باشد وبقول بعضي يا دا الجلال والإكرام وبرهر تقدير ون دعاكرد تخت بلقيس در موضع خود بزمين فرورفته وطرفة العيني را يش تخت سلميان از زمين برآمد).
وقال أهل المعاني : لا ينكر من قدرة الله أن يعدمه من حيث كان ثم يوجده حيث كان سليمان بلا نقل بدعاء الذي عنده علم من الكتاب ويكون ذلك كرامة للولي ومعجزة للنبي انتهى.
يقول الفقير : هذه مسألة الإيجاز والإعدام وإليها الإشارة بقوله عليه السلام :"الدنيا ساعة وقل من يفهمها" لأنها خارجة عن طور العقل وفي "المثنوي" :
س ترا هر لحظة موت ورجعتيست
مصطفى فرمود دنيا ساعتيست
فرنفس نومي شود دنيا وما
بي خبر از نوشدن اندر بقا
عمر همون جوي نونو مي رسد