وفي "شرح الأكمل" : أن ما ذهب إليه أبو حنيفة إنما هو استعظام لذلك الفعل فإنه ليس في القبح بحيث أنه يجازى بما يجازى به القتل والزنى وإنما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما أنه يقول في اليمين الغموس أنه لا يجب فيه الكفارة لأنه لعظمه لا يستتر بالكفارة.
يقول الفقير : عذبوا بالرجم لأنه أفظع العذاب كما أن اللواطة أفحش المنهيات وبقلب المدينة لأنهم قلبوا الأبدان عند الإتيان فافهم فجوزوا بما يناسب أعمالهم الخبيثة.
نه هركز شنيديم در عمر خويش
كه بد مردار نيك آمد به يش
والإشارة في الفاحشة إلى كل ما زلت به الأقدام عن الصراط المستقيم وأمارتها في الظاهر إتيان منهيات الشرع على وفق الطبع وهو النفس وعلاماتها في الباطن حب الدنيا وشهواتها والاحتظاظ بها وفي الحديث :"أنتم على بينة من ربكم ما لم تظهر منكم سكرتان سكرة الجهل
٣٥٩
وسكر حب الدنيا".
قال بعض الكبار : ثلاثة من علامات الصدق والوصول إلى محل الأنبياء : الأول إسقاط قدر الدنيا والمال من قلبك حتى يصير الذهب والفضة عندك كالتراب، والثاني : إسقاط رؤية الخلق عن قلبك بحيث لا تلتفت إلى مدحهم وذمهم فكأنهم أموات وأنت وحيد على الأرض، والثالث : إحكام سياسة النفس حتى يكون فرحك من الجوع وترك الشهوات كفرح أبناء الدنيا بالشبع ونيل الشهوات.
ثم إن المرأة الصالحة الجميلة ليست من قبيل الشهوات بل من أسباب التصفية وموافقتها من سعادات الدنيا كما قال علي رضي الله عنه : من سعادة الرجل خمسة أن تكون زوجته موافقة وأولاده أبراراً وإخوانه أتقياء وجيرانه صالحين ورزقه في بلده.
وأما الغلام الأمرد فمن أعظم فتن الدنيا إذ لا إمكان لنكاحه كالمرأة.
فعلى العاقل أن يجتنب عن زنى النظر ولواطته فضلاً عن الوقوقع فيهما فإن الله تعالى إذا رأى عبده حيث ما نهى غار وقهر فالعياذ به من سطوته والالتجاء إليه من سخطه ونقمته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٩
﴿قُلِ الْحَمْدُ﴾ قل يا محمد : الحمد على جميع نعمه التي من جملتها إهلاك أعداء الأنبياء والمرسلين وأتباعهم الصديقين فإنهم لما كانوا إخوانه عليه السلام كان النعمة عليهم نعمة عليه.
﴿وَسَلَـامٌ﴾ وسلامة ونجاة ﴿عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىا﴾ أي : اصطفاهم الله وجعلهم صفوة خليقته في الأزل وهداهم واجتباهم للنبوة والرسالة والولاية في الأبد فهم الأنبياء والمرسلون وخواصهم المقربون الذين سلموا من الآفات ونجوا من العقوبات مطلقاً.
وفيه رمز إلى هلاك أعدائه عليه السلام ولو بعد حين وإشعار له ولأصحابه بحصول السلامة والنجاة من أيديهم وهكذا عادة الله تعالى مع الورثة الكمل وأعدائهم في كل زمان هذا هو اللائح للبال في هذا المقام وهو المناسب لسوابق الآيات العظام (وكفته اند أهل ءسلام آنا نندكه دل آيشان سالم است از لوث علائق وسر إيشان خاليست از فكر خلائق امروز سلام بواسطه شنوند فردا سلام بي واسطه خواهند شنيد) ﴿سَلَـامٌ قَوْلا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ﴾.
هر بنده كه أوكشت مشرف بسلامت
البته شود خاص بتشريف سلامت
لطفي كن وبنواز دلم را بسلامت
زيراكه سلامت همه لطفست وكرامت
﴿اللَّهِ﴾ بالمد الأولى تخفيفاً.
والمعنى الله الذي ذكرت شؤونه العظيمة.
وبالفارسية (آيا خداي بحق).
﴿خَيْرٌ﴾ أنفع لعابديه.
وفي "كشف الأسرار" :(بهست خدايي را) ﴿أَمَّا﴾ أم الذين فأم متصلة وما موصولة ﴿يُشْرِكُونَ﴾ به من الأصنام أي أم الأصنام أنفع لعابديها يعني الله خير وكان عليه السلام إذا قرأ هذه الآية قال :"بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم".
فإن قيل : لفظ الخير يستعمل في شيئين فيهما خير ولأحدهما مزية ولا خير في الأصنام أصلاً.
قلنا : المراد إلزام المشركين وتشديد لهم وتهكم بهم أو هو على زعم أن في الأصنام خيراً ثم هذا الاستفهام والاستفهامات الآتية تقرير وتوبيخ لا استرشاد ثم أضرب وانتقل من التثبيت تعريضاً إلى التصريح به خطاباً لمزيد التشديد فقال :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٦٠
﴿أَمْ﴾ منقطعة مقدرة ببل والهمزة ﴿مِّنَ﴾ موصولة مبتدأ خبره محذوف وكذا في نظائرها الآتية.
والمعنى بل أم من
٣٦٠
﴿خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ التي هي أصول الكائنات ومبادىء المنافع خير أم ما يشركون.
يعني أن الخالق للأجرام العلوية والسفلية خير لعابديه أو للمعبودية كما هو الظاهر.
﴿وَأَنزَلَ لَكُم﴾ أي لأجل منفعتكم.
﴿مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً﴾ نوعاً منه هو المطر ثم عدل عن الغيبة إلى التكلم لتأكيد الاختصاص بذاته فقال :﴿فَأَنابَتْنَا بِهِ﴾ أي : بسبب ذلك الماء.
﴿حَدَآاـاِقَ﴾ بساتين محدقة ومحاطة بالحوائط.
وبالفارسية :(بوستانها ديوار بست) من الأحداق وهو الإحاطة.


الصفحة التالية
Icon