ولكن صار عاقبة أمرهم إلى ذلك أبرز مدخولها في معرض العلة لالتقاطهم تشبيهاً له في الترتب عليه بالغرض الحامل عليه وهو المحبة والتبني وتمامه في فن البيان وجعل موسى نفس الحزن إيذاناً لقوة سببيته لحزنهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٢
قال الكاشفي :﴿عَدُوًّا﴾ (دشمني مر مردانرا كه بسبب فرعون غرق شوند ﴿وَحَزَنًا﴾ واندوهي بزرك مرزنانراكه برده كيرند) ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَـامَـانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَـاطِاِينَ﴾ في كل ما يأتون وما يذرون فليس ببدع منهم أن قتلوا ألوفاً لأجله ثم أخذوه يربونه ليكبر ويفعل بهم ما كانوا يحذرون.
والخطأ مقصوراً العدول عن الجهة والخاطىء من يأتي بالخطأ وهو يعلم أنه خطأ وهو الخطأ التام المأخوذ به الإنسان يقال : خطىء الرجل إذا ضل في دينه وفعله والمخطىء من يأتي به وهو لا يعلم أي يريد ما يحسن فعله ولكن يقع منه بخلاف ما يريد يقال : أخطأ الرجل في لامه وأمره إذا زل وهفا.
حكي : أنهم فتحوا التابوت ورأوا موسى ألقى الله محبته في قلوب القوم وعمدت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها فبرئت من ساعتها.
آمد طبيب درد بكلى علاج يافت
﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ هي آسية بنت مزاحم بن عبيد بن الريان بن الوليد الذي كان فرعون مصر في زمن يوسف الصديق عليه السلام وقيل : كانت من بني إسرائيل من سبط موسى وقيل : كانت عمته حكاه الشبلي وكانت من خيار النساء أي قالت لفرعون حين أخرج من التابوت :﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّى وَلَكَ﴾ أي هو قرة عين لنا لأنهما لما رأياه أحباه.
وقال الكاشفي :(اين كودك روشني شم است مراوتراكه بسبب أو دختر ماشفا يافت) وقد سبق معنى القرة مراراً وفي الحديث :"أنه قال لك لا لي ولو قال لي كما هو لك لهداه الله كما هداها" ﴿لا تَقْتُلُوهُ﴾ خاطبته بلفظ الجمع تعظيماً ليساعدها فيما تريده.
﴿عَسَى أَن يَنفَعَنَآ﴾ (شايدكه سود برساند ماراكه أمارت يمن وعلامت بركت درجبين أو لايح أست) وذلك لما رأت من برء البرصاء بريقه وارتضاعه إبهامه لبناً ونور بين عينيه ولم يره غيرها.
قال بعض الكبار : وجوه الأنبياء والأولياء مرائي أنوار الذات والصفات ينتفع بتلك الأنوار المؤمن والكافر لأن معها لذة حالية نقدية وإن لم يعرفوا حقائقها فينبغي للعاشق أن يرى بعين اليقين والإيمان أنوار الحق في وجوه أصفيائه كما رأت آسية وقد قيل في حقهم :"من رآهم ذكر الله" ﴿أَوْ نَتَّخِذَه وَلَدًا﴾ أي نتبناه فإنه أهل له ولم يكن له ولد ذكر ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ حال من آل فرعون والتقدير فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً وقالت امرأته كيت وكيت وهم لا يشعرون بأنهم على خطأ عظيم فيما صنعوا من الالتقاط ورجاء النفع منه والتبني له وقوله : إن فرعون الآية اعتراض وقع بين المعطوفين لتأكيد خطئهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٨٢
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية : عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه.
روي : أنه قالت الغواة من قوم فرعون : إن نظن إلا أن هذا هو الذي يحذر منه رمي في البحر خوفاً منك فاقتله فهمّ فرعون بقتله فقالت آسية : إنه ليس من أولاد بني إسرائيل فقيل لها : وما يدريك؟ فقالت : إن نساء بني إسرائيل يشفقن على أولادهن ويكتمنهم مخافة أن تقتلهم فكيف
٣٨٤
يظن بالوالدة أنها تلقي الولد بيدها في البحر أو قالت : إن هذا كبير ومولود قبل هذه المدة التي أخبرت لك فاستوهبته لما رأت عليه من دلائل النجاة فتركه وسمته آسية موسى لأن تابوته وجد بينا لماء والشجر والماء في لغتهم "مو" والشجر "شا".
قال في "بحر الحقائق" لما كان القرآن هادياً يهدي إلى الرشد والرشد في تصفية القلب وتوجهه إلى الله تعالى وتزكية النفس ونهيها عن هواها وكانت قصة موسى عليه السلام وفرعون تلائم أحوال القلب والنفس فإن موسى القلب بعصا الذكر غلب على فرعون النفس وجنوده مع كثرتهم وانفراده كرر الحق تعالى في القرآن قصتهما تفخيماً للشأن وزيادة في البيان لبلاغة القرآن ثم إفادة لزوائد من المذكور قبله في موضع يكرره منه انتهى.