﴿وَلُوطًا﴾ أي ولقد أرسلنا لوطاً من قبلك يا محمد اذكر لقومك ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ من أهل المؤتفكات ﴿إِنَّكُمْ﴾ (بدرستي كه شما) ﴿لَتَأْتُونَ الْفَـاحِشَةَ﴾ أي : الخصلة المتناهية في القبح.
وبالفارسية (بفاحشة ميآييد يعني ميكنيد كاري كه بغايت زشت است) كأن قائلاً قال : لم كانت تلك الخصلة فاحشة؟ فقيل :﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا﴾ أي بتلك الفاحشة ﴿مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَـالَمِينَ﴾ (هيكس ازجهانيان) أي لم يقدم أحد قبلكم عليها لإفراط قبحها وكونها مما تنفر عنها النفوس والطباع وأنتم أقدمتم عليها لخباثة طبيعتكم.
قالوا : لم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط قط أي مع طول الزمان وكثرة القرون.
٤٦٤
أئنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ} (آياشما مي آييد ومي كرايي بمردان بطريق مباشرت وآن كار زشت ميكنيد) ﴿وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ السبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك وفيه سهولة وقطع الطريق يقال على وجهين أحدهما يراد به السير والسلوك والثاني يراد به الغصب من المارة والسالكين للطريق لأنه يؤدي إلى انقطاع الناس عن الطريق فجعل قطعاً للطريق.
والمعنى تتعرضون لأبناء السبيل بالفاحشة حتى انقطع الناس عن طريقكم.
روي : أنهم كانوا كثيراً ما يفعلونها بالغرباء ويجبرونهم عليها أو تقطعونها بالقتل وأخذ المال وكانوا يفعلون ذلك لكيلا يدخلوا في بلدهم ولا يتناولوا من ثمارهم أو تقطعون سبيل النسل بالإعراض عن الحرث وإتيان ما ليس بحارث ﴿وَتَأْتُونَ﴾ تفعلون وتتعاطون من غير مبالاة ﴿فِى نَادِيكُمُ﴾ في مجلسكم ومتحدثكم الجامع لأصحابكم فإنه لا يقال النادي والندى إلا لما فيه أهله فإذا قاموا عنه لم يبق نادياً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٤
قال في "كشف الأسرار" : النادي مجمع القوم للسمر والإنس وجمعه أندية ﴿الْمُنكَرَ﴾.
قال الراغب : المنكر كل شيء تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه العقول وتحكم بقبحه الشريعة انتهى.
وهو ههنا أمور : منها الجماع واللواطة في المجالس بالعلانية والضراط وهو بالفارسية (بادرا رهايي كردن) زعمت الهند أن حبس الضراط داء وإرساله دواء ولا يحبسون في مجالسهم ضرطة ولا يرون ذلك عيباً وأفلتت من معاوية ريح على المنبر فقال : أيها الناس إن الله خلق أبداناً وجعل فيها أرياحاً فمتى يتمالك الناس أن لا تخرج منهم فقام صعصعة بن صوحان فقال : أما بعد فإن خروج الأرياح في المتوضأة سنة وعلى المنابر بدعة واستغفر الله لي ولكم.
ومنها حل أزرار القباء وضرب الأوتار والمزامير والسخرية بمن يمر بهم وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المناكير وأن لا يجتمعوا على الهزؤ والمناهي ـ ـ سئل ـ ـ الجنيد رحمه الله عن هذه الآية فقال : كل شيء يجتمع الناس عليه إلا الذكر فهو منكر وعن ابن عباس رضي الله عنهما : هو ـ أي المنكر ـ الحذف بالحصى : يعني :(بسر انكشت سبابه وناخن انكشت سترك سنك بمردم انداختن) وكانوا يجلسون على الطريق وعند كل واحد قصعة فيها حصى فمن مر بهم حذفوه فمن أصابه منهم فهو أحق به فيأخذ ما معه وينكحه ويغرّمه ثلاثة دراهم ولهم قاض يقضي بينهم بذلك.
ومنه "هو أجور من قاضي سدوم" وفي الحديث :"إياكم والحذف فإنه لا ينكي عدواً ولا يقتل صيداً ولكن يفقأ العين ويكسر السنُّ" وكان من أخلاق قوم لوط الرمي بالبنادق والجلاهق والصفير وتطريف الأصابع بالحناء والفرقعة أي مد الأصابع حتى تصوت ولذا كرهت في الصلاة وخارجها لئلا يلزم التشبه بهم.
ومن أخلاقهم مضغ العلك ولا يكره للمرأة إن لم تكن صائمة لقيامه مقام السواك في حقهن لأن سنّها أضعف من سنّ الرجال كسائر أعضائها فيخاف من السواك سقوط سنها وهو ينقي الأسنان ويشد اللثة كالسواك ويكره للرجل إذا لم يكن من علة كالبخر لما فيه من تشبه النساء.
ومن أخلاقهم السباب والفحش في المزاح يقال المزاح يجلب صغيرة الشرك وكبيرة الحرب.
ومن أخلاقهم اللعب بالحمام.
عن سفيان الثوري أنه قال : كان اللعب بالحمام من عمل قوم لوط وإن من لعب بالحمام الطيارة لم يمت حتى
٤٦٥
يذوق ألم الفقر كما في "حياة الحيوان" ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ لما أنكر عليهم قبائحهم ﴿إِلا أَن قَالُوا﴾ له استهزاء (ما ترك أين عملها نخواهيم كرد) ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ﴾ (بيار عذاب خدايرا بما) ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ فيما تعدنا من نزول العذاب.
وبالفارسية (از راست كويان در آنكه اين فعلها قبيح است وبسبب آن عذاب بشما نازل خواهد شد).
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٤