وقال بعض الكبار : والله يعلم ما تصنعون في جميع المقامات والأحوال فمن تيقن أن الله يعلم ما يصنعه تجنب عن المعاصي والسيئات وتوجه إلى عالم السر والخفيات بالطاعات والعبادات خصوصاً الصلوات ولابد من تفريغ القلب عن الشواغل فصلاة بالحضور أفضل من ألف صلاة بدونه.
حكي : أن واحداً كان يتضرع إلى الله أن يوفقه لصلاة مقبولة فصلى مع حبيب العجمي فلم يعجبه ظاهرها من أمر القراءة فاستأنف الصلاة فقيل له في الرؤيا قد وفقك الله لصلاة مقبولة فلم تعرف قدرها فإصلاح الباطن أهم فإن به يتفاضل الناس وتتفاوت الحسنات ويحصل الفلاح الحقيقي هو الخلاص من حبس الوجود بجود واجب الوجود ونظر العبد لا يدرك كمالية الجزاء المعدّ له بمباشرة أركان الشريعة وملازمة آداب الطريقة للوصول إلى العالم الحقيقي ولكن الله يعلم ما تصنعون باستعمال مفتاح الشريعة وصناعة الطريقة بفتح أبواب طلسم الوجود المجازي والوصول إلى الكنز المخفي من الوجود الحقيقي نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للفعل الحسن والصنع الجميل ويسعدنا بالمقام الأرفع والأجر الجزيل.
٤٧٦
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
﴿وَلا تُجَـادِلُوا أَهْلَ الْكِتَـابِ﴾ المجادلة والجدل (بيكار سخت كردن بايكديكر) كما في "التاج".
قال : الجدال المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله فكأن المتجادلين يفتل كل واحد الآخر عن رأيه.
والمعنى ولا تخاصموا اليهود والنصارى.
وبالفارسية :(وبيكار مكنيد وجدال منماييد با هل كتاب) ﴿إِلا بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ أي بالخصلة التي هي أحسن كمعاملة الخشونة باللين والغضب بالحلم والمشاغبة أي تحريك الشر وإثارته بالنصح أي بتحريك الخير وإثارته والعجلة بالتأني والاحتياط على وجه لا يؤدي إلى الضعف ولا إلى إعظام الدنيا الدنية.
﴿إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ بالإفراط في الاعتداء والعناد فإن الكافر إذا وصف بمثل الفسق والظلم حمل على المبالغة فيما هو فيه أو بإثبات الولد وهم أهل نجران أو بنبذ العهد ومنع الجزية ونحو ذلك فإنه يجب حينئذ الموافقة بما يليق بحالهم من الغلظة باللسان وبالسيف والسنان.
﴿وَقُولُوا ءَامَنَّا﴾ بالصدق والإخلاص.
﴿بِالَّذِى أُنزِلَ إِلَيْنَا﴾ من القرآن ﴿وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ أي وبالذي أنزل إليكم من التوراة والإنجيل وسمع النبي عليه السلام أن أهل الكتاب يقرؤون التوراة ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال :"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولو : آمنا بالله وبكتبه وبرسله فإن قالوا باطلاً لم تصدقوهم وإن قالوا حقاً لم تكذبوهم" قال ابن الملك إنما نهى عن تصديقهم وتكذيبهم لأنهم حرفوا كتابهم وما قالوه إن كان من جملة ما غيروه فتصديقهم يكون تصديقاً بالباطل وإن لم يكن كذلك يكون تكذيبهم تكذيباً لما هو حق وهذا أصل في وجوب التوقف فيما يشكل من الأمور والعلوم فلا يقضى فيه بجواز ولا بطلان وعلى هذا كان السلف رحمهم الله.
﴿وَإِلَـاهُنَا وَإِلَـاهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ لا شريك له في الألوهية.
﴿وَنَحْنُ لَه مُسْلِمُونَ﴾ أي مطيعون له خاصة وفيه تعريض بحال الفريقين حيث اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٧
﴿وَكَذَالِكَ﴾ إشارة إلى مصدر الفعل الذي بعده أي ومثل ذلك الإنزال البديع الموافق لإنزال سائر الكتب أي القرآن.
﴿وَكَذَالِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ﴾ من الطائفتين ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ أريد بهم عبد الله بن سلام وأضرابه من أهل الكتاب خاصة كأن لم يؤتوا الكتاب حيث لم يعملوا بما فيه أو من تقدم عهد الرسول عليه السلام حيث كانوا مصدقين بنزوله حسبما شاهدوا في كتابيهما ومنهم قس بن ساعدة وبحيرا ونسطورا وورقة وغيرهم وتخصيصهم بإيتاء الكتاب للإيذان بأن من بعدهم من معاصري رسول الله قد نزع عنهم الكتاب بالنسخ فلم يؤتوه والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إيمانهم به مترتب على إنزاله على الوجه المذكور.
٤٧٧
﴿وَمِنْ هَؤُلاءِ﴾ أي من العرب.
﴿مَن يُؤْمِنُ بِهِ﴾ أي القرآن ﴿وَمَا يَجْحَدُ﴾ الجحد نفي ما في القلب إثباته أو إثبات ما في القلب نفيه أي بالكتاب المعظم بالإضافة إلينا عبر عنه بالآيات للتنبيه على ظهور دلالته على معانيه وعلى كونه من عند الله.
﴿إِلا الْكَـافِرُونَ﴾ المتوغلون في الكفر المصممون عليه فإن ذلك يصدهم عن التأمل فيما يؤديهم إلى معرفة حقيقتها.
وفي الآية إشارة إلى أن أرباب القلوب وأصحاب العلوم الباطنة الذين علومهم من مواهب الحق يجب أن يجادلوا أهل علم الظاهر الذين علومهم من طريق الكسب والدراسة بالرفق واللين والسكون ونحوها لئلا تهيج الفتنة الإمارية ويزدادوا إنكاراً فمن رحمه الله منهم صدق الدلائل الكشفية والبراهين الحقية في دلالتها إلى الحق واهتدى ومن حرمه الله استقبل بالإنكار وزاد بعدا من الوصول إلى الله الغفار.
وفي "المثنوي" :
هركرا مشك نصيحت سودنيست


الصفحة التالية
Icon