قال الفضيل رحمه الله : لو كانت الدنيا من ذهب يفنى والآخرة من خزف يبقى لكان ينبغي لنا أن نختار خزفاً يبقى على ذهب يفنى.
كما روى أن سليمان عليه السلام قال : لتسبيحة في صحيفة مؤمن خير مما أوتي ابن داود فإنه يذهب والتسبيحة تبقى ولا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات صفاء القلب أي عن كدورات الدنيا وأنسه بذكر الله وحبه ولا يخفى أن صفاء القلب وطهارته عن أدناس الدنيا لا تكون إلا مع المعرفة والمعرفة لا تكون إلا بدوام الذكر والفكر وخير الأذكار التوحيد.
﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ﴾ متصل بما دل عليه شرح حالهم.
والركوب هو الاستعلاء على الشيء المتحرك وهو متعد بنفسه كما في قوله تعالى :﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا﴾ (النحل : ٨) واستعماله ههنا وفي أمثاله بكلمة في للإيذان بأن المركوب في نفسه من قبيل الأمكنة وحركته قسرية غير إرادية.
والمعنى أن الكفار على ما وصفوا من الإشراك فإذا ركبوا في السفينة لتجاراته وتصرفاتهم وهاجت الرياح واضطربت الأمواج وخافوا الغرق.
وبالفارسية :(س ون نشينند كافران دركشتى وبسبب موج در كرداب اضطراب افتند).
﴿دَعَوُا اللَّهَ﴾ حال كونهم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي : على صورة المخلصين لدينهم من المؤمنين حيث لا يدعون غير الله لعلمهم بأنه لا يكشف الشدائد عنهم إلا هو.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٠
وقال في "الأسئلة المقحمة" : ما معنى الإخلاص في حق الكافر والإخلاص دون الإيمان لا يتصور وجوده؟ والجواب أن المراد به التضرع في الدعاء عند مسيس الضرورة والإخلاص في العزم على الإسلام عند النجاة من الغرق ثم العود والرجوع إلى الغفلة والإصرار على الكفر بعد كشف الضر ولا يرد الإخلاص الذي هو من ثمرات الإيمان انتهى ويدل عليه ما قال عكرمة : كان أهل الجاهلية إذا ركبوا البحر حملوا معهم الأصنام فإذا اشتدت بهم الريح ألقوا تلك الأصنام في البحر وصاحوا "يا خداي يا خداي" كما في "الوسيط" و"يا رب يا رب" كما في "كشف الأسرار" ﴿فَلَمَّا نَجَّـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾ البر خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير كما في "المفردات" ؛ والمعنى بالفارسية.
(س آنن هكام كه نجات دهد خداي تعالى ايشانرا از بحر وغرق وبرون آرد بسلامت بسوى خشنك ودشت) ﴿إِذَا هُمْ﴾ (آنكاه يشان) ﴿يُشْرِكُونَ﴾ أي فاجؤوا المعاودة إلى الشرك.
يعني (بازكردند بعادت خويش).
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ﴾ اللام فيه لام كي أي ليكونوا كافرين بشركهم بما آتيناهم من نعمة النجاة التي حقها أن يشكروها ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ أي : ولينتفعوا باجتماعهم على عبادة الأصنام وتوادّهم عليها ويجوز أن يكون لام الأمر
٤٩٣
في كليهما ومعناه التهديد والوعيد كما في اعملوا ما شئتم.
﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أي عاقبة ذلك وغائلته حين يرون العذاب.
وفي "التأويلات" : وبقوله :﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِى الْفُلْكِ﴾ يشير إلى أن الإخلاص تفريغ القلب من كل ما سوى الله والثقة بأن لا نفع ولا ضرر إلا منه وهذا لا يحصل إلا عند نزول البلاء والوقوع في معرض التلف وورطة الهلاك ولهذا وكل بالأنبياء والأولياء لتخليص الجوهر الإنساني القابل للفيض الإلهي من قيد التعلقات بالكونين والرجوع إلى حضرة المكوّن فإن الرجوع إليها مركوز في الجوهر الإنسان لو خلى وطبعه لقوله :﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ (العلق : ٨) فالفرق بين إخلاص المؤمن وإخلاص الكافر بأن يكون إخلاص المؤمن مؤيداً بالتأييد الإلهي وأنه قد عبد الله مخلصاً في الرخاء قبل نزول البلاء فنال درجة الإخلاص المؤيد من الله بالسر الذي قال تعالى :"الإخلاص سر بيني وبين عبدي لا يسعه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل" فلا يتغير في الشدة والرخاء ولا في السخط والرضى وإخلاص الكافر إخلاص طبيعي قد حصل له عند نزول البلاء وخوف الهلاك بالرجوع الطبيعي غير مؤيد بالتأييد الإلهي عند خمود التعلقات كراكبي الفلك.
﴿دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ دعاء اضطرارياً فأجابهم من يجيب المضطر بالنجاة من ورطة الهلاك ﴿فَلَمَّا نَجَّـاهُمْ إِلَى الْبَرِّ﴾ وزال الخوف والاضطرار عاد الميشوم إلى طبعه.
﴿إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ * لِيَكْفُرُوا بِمَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ﴾.
أي ليكون حاصل أمرهم من شقاوتهم أن يكفروا بنعمة الله ليستوجبوا العذاب الشديد ﴿وَلِيَتَمَتَّعُوا﴾ أياماً قلائل ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ أن عاقبة أمرهم دوام العقوبة إلى الأبد انتهى : قال الشيخ سعدي :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٩٠
ره راست بايدنه بالاي راست
كه كافرهم از روى صورت وماست
ترا آنكه شم ودهان داد وكوش
اكر عاقلى در خلافش مكوش
مكن كردن از شكر منعم مي
كهخ روز سين سر بر آرى بهي


الصفحة التالية
Icon