وثالثها : الشكاية من العباد إذ الشاكر منهم قليل كما قال تعالى :﴿وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ﴾ (سبأ : ١٣) وشكر هذه النعم استعمالها في طاعة المنعم وعبوديته فشكر السمع حفظه عن استماع المنهيات وأن لا يسمع إلاوبالله وعن الله.
كذركاه قرآن وندست كوش
به بختان وباطل شنيدن مكوش
وشكر البصر حفظه عن النظر إلى المحرمات وأن ينظر بنظر العبرةوبالله وإلى الله.
دوشم ازي صنع باري نكوست
زعيب برادر فروكيرو دوست
وشكر القلب تصفيته عن رين الأخلاق الذميمة وقطع تعلقه عن الكونين فلا يشهد غير الله ولا يحب إلا الله.
ترابكوهر دل كرده اند اما نتدار
زدزدا مانت حق رانكاه دارو ومخسب
﴿وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الأرْضِ﴾ خلقكم وبثكم فيها بالتناسل يقال : ذرأ الله الخلق أي أوجد أشخاصهم ﴿وَإِلَيْهِ﴾ تعالى لا إلى غيره ﴿تُحْشَرُونَ﴾ تجمعون يوم القيامة بعد تفرقكم فما لكم لا تؤمنون ولا تشكرون.
﴿وَهُوَ الَّذِى يُحْى وَيُمِيتُ﴾ من غير أن يشاركه في ذلك شيء من الأشياء أي يعطي الحياة النطف والتراب والبيض والموتى يوم القيامة ويأخذ الحياة من الأحياء ولم يقل أحيا وأمات كما قال : أنشأكم وذرأكم ولكن جاء على لفظ المضارع ليدل على أن الإحياء والإمانة عادته.
﴿وَلَهُ﴾ خاصة ﴿وَهُوَ الَّذِى يُحْىِ﴾ أي
٩٩
هو المؤثر في تعاقبهما لا الشمس أو في اختلافهما ازدياداً وانتقاصاً ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ أي : أتفعلون عن تلك الآيات فلا تعقلون بالنظر والتأمل أن الكل منا وأن قدرتنا تعم الممكنات وأن البعث من جملتها.
﴿بَلْ قَالُوا﴾ عطف على مضمر يقتضيه المقام، أي لم يعقلوا بل قالوا أي : كفار مكة.
﴿مِثْلَ مَا قَالَ الاوَّلُونَ﴾ أي : كما قال من قبلهم من الكفار ثم فسر هذا القبول المبهم بقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٧
﴿قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا﴾ (اياون بميريم) ﴿وَكُنَّا تُرَابًا﴾ (وباشيم خاك) ﴿وَعِظَـامًا﴾ (واستخواني خاكي كهنة) ﴿أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾ (أياما برانكيخته شدكان شويم استفهام برسبيل انكاراست يعني ون كرديم حشر وبعث كونه بماراه يابد) استبعدوا ولم يتأملوا أنهم كانوا قبل ذلك أيضاً تراباً فخلقوا والعامل في إذا ما دل عليه لمبعوثون وهو نبعث لأن ما بعد أن لا يعمل فيما قبلها.
﴿لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا هَـاذَا﴾ أي البعث وهو مفعول ثان لوعدنا ﴿مِن قَبْلُ﴾ متعلق بالفعل من حيث اسناده إلى آبائهم لا إليهم أي وعد آباؤنا من قبل محمد فلم يروا له حقيقة.
يعني (مارا ويدران مارا بوعدة حشر ونشر تخويف كردهاند وأين وعده راست نشد) ﴿إِنْ هَـاذَآ﴾ ما هذا ﴿إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ﴾ أكاذيبهم التي سطروها من غير أن يكون لها حقيقة جمع أسطورة لأنه يستعمل فيما يتلهى به كالأعاجيب والأضاحيك.
وفيه إشارة إلى أن الناس كلهم أهل تقليد من المتقدمين والمتأخرين إلا من هداه الله بنور الإيمان إلى التصديق بالتحقيق فإن المتأخرين ههنا قلدوا آباءهم المتقدمين في تكذيب الأنبياء والجحود وإنكار البعث قال الجامي قدس سره :
خواهي بصوت كعبة تحقيق ره بري
بي بربي مقلد كم كرده ره مرو
﴿قُل لِّمَنِ الارْضُ وَمَن فِيهَآ﴾ من المخلوقات تغليباً للعقلاء على غيرهم ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ شيئاً ما فأخبروني به فإن ذلك كاف في الجواب وفيه من المبالغة في وضوح الأمر في تجهيلهم ما لا يخفى.
﴿سَيَقُولُونَ﴾ لأن بديهة العقل تضطرهم إلى الاعتراف بأنه تعالى خالقها ﴿قُلْ﴾ عند اعترافهم بذلك تبكيتاً لهم.
﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تقولون ذلك فلا تتذكرون أن من فطر الأرض وما فيها ابتداء قادر على إعادتها ثانياً فإن البدء ليس بأهون من الإعادة بل الأمر بالعكس في قياس العقول.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩٧
﴿قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ ترقى في الأمر بالسؤال من الأدنى والأصغر إلى الأعلى والأكبر، فإن السموات والعرش أعظم من الأرض ولا يلزم منه أن يكون من في السموات أجل ممن في الأرض حتى تكون الملائكة أفضل من جنس البشر كما لا يخفى ﴿سَيَقُولُونَ﴾ باللام نظراً إلى معنى السؤال، فإن قولك من ربه ولمن هو في معنى واحد يعني إذا قلت من رب هذا فمعناه لمن هذا فالجواب لفلان.
﴿قُلْ﴾ توبيخاً لهم ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي أتعملون ذلك فلا تتقون عذابه بعد العمل بموجب العلم حيث تكفرون به وتنكرون البعث وتثبتون له شريكاً في الربوبية قدم التذكر على التقوى لأنهم بالتذكر يصلون إلى المعرفة وبعد أن عرفوه علموا أنه يجب عليهم اتقاء مخالفته.
﴿قُلْ مَنا بِيَدِهِ﴾ اليد في الأصل اسم موضوع للجارحة من المنكب إلى أطراف الأصابع وهو العضو المركب من لحم وعظم وعصب وكل من هذه الثلاثة جسم مخصوص بصفة مخصوصة
١٠٠


الصفحة التالية
Icon