جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٢
﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ﴾ بحذف إحدى التاءين للمس أي لمسكم ذلك العذاب العظيم وقت تلقيكم إياه من المخترعين.
﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ يأخذه بعضكم من بعض وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول له : ما وراءك فيحدثه بحديث الإفك حتى شاع وانتشر فلم يبق بيت ولا دار الإطار فيه يقال تلقى الكلام من فلان وتلقنه وتلقفه ولقفه إذا أخذه من لفظه وفهمه.
وفي "الإرشاد" : التلقي والتلقف والتلقن معان متقاربة خلا أن في الأول معنى الاستقبال وفي الثاني معنى الخطف والأخذ بسرعة وفي الثالث معنى الحذق والمهارة.
﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِه عِلْمٌ﴾ معنى بأفواهكم مع أن القول لا يكون إلا بالفم هو أن الإخبار بالشيء يجب أن تستقر صورته في القلب أولاً ثم يجري على اللسان وهذا الإفك ليس إلا قول لا يجري على الألسنة من غير علم به في القلب وهو حرام لقوله تعالى :﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ﴾ (الإسراء : ٣٦) والمعنى وتقولون قولاً مختصاً بالأفواه من غير أن يكون له مصداق ومنشأ في القلوب لأنه ليس بتعبير عن علم به في قلوبكم.
﴿وَتَحْسَبُونَه هَيِّنًا﴾ سهلاً لا تبعة له، وهي بالفارسية (عاقبة به).
أو ليس له كثير عقوبة.
﴿وَهُوَ عِندَ اللَّهِ﴾ والحال أنه عنده تعالى ﴿عَظِيمٌ﴾ في الوزر واستجرار العذاب وعن بعضهم أنه جزع عند الموت فقيل له فقال : أخاف ذنباً لم يكن مني على بال وهو عند الله عظيم وفي كلام بعضهم لا تقولن لشيء من سيئاتك نقير فلعله عند الله نخلة وهو عندك نقير،
١٢٧
وقال عبد الله بن المبارك : ما أرى هذه الآية نزلت إلا فيمن اعتاد الدعاوى العظيمة ويجترىء على ربه في الإخبار عن أحوال الأنبياء والأكابر ولا يمنعه عن ذلك هيبة ربه ولا حياؤه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٧
وقال الترمذي : من تهاون بما يجري عليه من الدعاوى فقد صغر ما عظمه الله إن الله تعالى يقول :﴿وَتَحْسَبُونَهُ﴾ إلخ.
اكر مردى از مردىء خود مكوى
نه هر شهوارى بدر برد كوى
﴿وَلَوْلا﴾ (را) ﴿إِذْ سَمِعْتُمُوهُ﴾ من المخترعين والتابعين لهم ﴿قُلْتُم﴾ تكذيباً لهم وتهويلاً لما ارتكبوه.
﴿مَّا يَكُونُ لَنَآ﴾ ما يمكننا.
﴿أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـاذَا﴾ القول وما يصدر عنا ذلك بوجه من الوجوه وحاصله نفي وجود التكلم به لا نفي وجوده على وجه الصحة والاستقامة.
﴿سُبْحَـانَكَ﴾ تعجب ممن تفوه به وأصله أن يذكر عند معاينة العجب من صنائعه تنزيهاً له سبحانه من أن يعصب عليه أمثاله ثم كثر حتى استعمل في كل متعجب منه أو تنزيه له تعالى من أن يكون حرم نبيه فاجرة فإن فجورها تنفير للناس عنه ومخل بمقصود الزواج بخلاف كفرها كما سبق.
وبالفارسية :(اكست خداى تعالى ازآنكه در حرم محترم يغمبر قدح تواند كرد) ﴿هَـاذَآ﴾ الإفك الذي لا يصح لاحد أن يتكلم به.
﴿بُهْتَـانٌ عَظِيمٌ﴾ مصدر بهته، أي قال عليه ما لم يفعل أي كذب عظيم عند الله التقاول به كما في "التأويلات النجمية" أو يبهت ويتحير من عظمته لعظمة المبهوت عليه أي الشخص الذي يبهت عليه أي يقال عليه ما لم يفعل فإن حقارة الذنوب وعظمها كما تكون باعتبار مصادرها كما قال أبو سعيد الخراز قدس سره "حسنات الأبرار سيئات المقربين" كذا تكون باعتبار متعلقاتها.
﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ الوعظ النصح والتذكير بالعواقب أي ينصحكم أيها الخائضون في أمر عائشة.
﴿أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ﴾ كراهة أن تعودوا لمثل هذا الخوض والقول.
﴿أَبَدًا﴾ أي مدة حياتكم ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بالله وبرسوله وباليوم الآخر فإن الإيمان يمنع عنه.
وفيه إشارة إلى أن العود إلى مثل هذا يخرجهم من الإيمان.
قال في "الكبير" : يدخل في هذا من قال ومن سمع ولم ينكر لاستوائهما في فعل ما لا يجوز وإن كان المقدم أعظم ذنباً.
﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الايَـاتِ﴾ الدالة على الشرائع ومحاسن الآداب دلالة واضحة لتتعظوا وتتأدبوا بها أي ينزلها مبينة ظاهرة الدلالة على معانيها لا أنه يبينها بعد أن لم تكن كذلك.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمُ﴾ بأحوال جميع مخلوقاته جلائلها ودقائقها.
﴿حَكِيمٌ﴾ في جميع تدابيره وأفعاله فأنى يمكن صدق ما قيل في حق حرمة من اصطفاه لرسالته وبعثه إلى كافة الخلق ليرشدهم إلى الحق ويزكيهم ويطهرهم تطهيراً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٧
وقال الكاشفي :(وخداى تعالى داناست بطهارت ذيل عائشة حكم كننده ببرائت ذمت أو ازعيب وعار).
تاكريبان دامنش اكست ازلوت خطا
وزمذمت عيب جو آلوده ازسر تابا
وه زيبا كفته است.
كرا رسد كه كند عيب دامن اكت
كه همو قطره كه بر برك كل كداكي
وفي "التأويلات النجمية" : أن الله تعالى لا يجري على خواص عباده إلا ما يكون سبباً لحقيقة اللطف وإن كان في صورة القهر تأديباً وتهذيباً وموجباً لرفعة درجاتهم وزيادة في قرابتهم
١٢٨