﴿يَوْمَ﴾ ظرف لما في الجار والمجرور والمتقدم من معنى الاستقرار ﴿تَشْهَدَ﴾ الشهادة قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصر أو بصيرة.
﴿عَلَيْهِمْ﴾ تقديمه على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون الشهادة ضارة لهم.
﴿أَلْسِنَتُهُمْ﴾ بغير اختيار منهم وهذا قبل أن يختم على أفواههم فلا تعارض بينه وبين قوله تعالى :﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ﴾ (يس : ٦٥) ﴿وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فتخبر كل جارحة بما صدر من أفاعيل صاحبها لا أن كلا منها تخبر بجنايتها المعهودة فقط فالموصول عبارة عن جميع أعمالهم السيئة.
﴿يَوْمَـاـاِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ التوفية بذل الشيء وافياً والوافي الذي بلغ التمام والدين الجزاء والحق منصوب على أن يكون صفة للدين أي يوم إذ تشهد جوارحهم بأعمالهم القبيحة يعطيهم الله جزاءهم الثابت الواجب الذي هم أهله وافياً كاملاً ﴿وَيَعْلَمُونَ﴾ عند معاينتهم الأهوال والخطوب ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ أي الظاهر حقيته لما أنه أبان لهم حقية ما كان يعدهم به في الدنيا من الجزاء.
ويقال : إن ما قال الله هو الحق.
وفي الآية أمور :
منها بيان جواز اللعنة على من كان من أهلها.
قال الإمام الغزالي رحمه الله الصفات المقتضية للعن ثلاث الكفر والبدعة والفسق وله في كل واحدة ثلاث مراتب الأولى اللعن بالوصف الأعم كقولك لعنة الله على الكافرين أو المبتدعة أو الفسقة والثانية اللعن بأوصاف أخص منه كقولك لعنة الله على اليهود والنصارى أو على القدرية والخوارج والروافض
١٣٤
أو على الزناة والظلمة وأكلي الربا وكل ذلك جائز ولكن في لعن بعض أصناف المبتدعة خطر لأن معرفة البدعة غامضة فما لم يرد فيه لفظ مأثور ينبغي أن يمنع منه العوام لأن ذلك يستدعي المعارضة بمثله ويثير نزاعاً وفساداً بين الناس والثالثة اللعن على الشخص فينظر فيه أن كان ممن ثبت كفره شرعاً فيجوز لعنه إن لم يكن فيه أذى على مسلم كقولك لعنة الله على النمرود وفرعون وأبي جهل لأنه ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر وعرف ذلك شرعاً وأن كان ممن لم يثبت حال خاتمته بعد كقولك زيد لعنه الله وهو يهودي أو فاسق فهذا فيه خطر لأنه ربما يسلم أو يتوب فيموت مقرباً عند الله تعالى فكيف يحكم بكونه ملعوناً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٤
ومنها شهارة الأعضاء وذلك بانطاق الله تعالى فكما تشهد على المذنبين تشهد للمطيعين بطاعتهم فاللسان يشهد على الإقرار وقراءة القرآن واليد تشهد بأخذ المصحف والرجل تشهد بالمشي إلى المسجد والعين تشهد بالبكاء والأذن تشهد باستماع كلام الله.
ويقال شهادة الأعضاء في القيامة مؤجلة وشهادتها في المحبة اليوم معجلة من صفرة الوجه وتغير اللون ونحافة الجسم وانسكاب الدموع وخفقان القلب وغير ذلك : قال الحافظ :
باضعف وناتواني همون نسيم خوش باش
يمارى اندرين ره بهتر زتن درستي
ومنها أن المجازاة بقدر الاستحقاق فللفاسقين بالقطيعة والنيران وللصالحين بالدرجات وللعارفين بالوصلة والقربة ورؤية الرحمن ﴿الْخَبِيثَـاتُ﴾ من النساء أي الزواني : وبالفارسية (زنان نا ك) ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الرجال أي الزناة كابن أبيّ المنافق تكون له امرأة زانية أي مختصات بهم لا يكدن يتجاوزنهم إلى غيرهم لأنملكاً يسوق الأهل إلى الأهل ويجمع الأشكال بعضاً إلى بعض على أن اللام للاختصاص ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ أيضاً : وبالفارسية (مردان نا ك) ﴿لِلْخَبِيثَـاتِ﴾ لأن المجانسة من دواعي الانضمام ﴿وَالطَّيِّبَـاتُ﴾ منهن أي العفائف ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ منهم أي العفيفين ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ أيضاً ﴿لِلطَّيِّبَـاتِ﴾ منهن بحيث لا يكادون يجاوزونهن إلى من عداهن وحيث كان رسول الله عليه السلام اطيب الاطيبين وخيرة الأولين والآخرين تبين كون الصديقة من أطيب الطيبات بالضرورة واتضح بطلان ما قيل في حقها من الخرافات حسبما نطق به قوله تعالى :﴿أولئك﴾ الموصوفون بعلو الشان يعني أهل البيت.
وقال في "الأسئلة المقحمة" : آية الإفك نزلت في عائشة وصفوان فكيف ذكرها بلفظ الجمع والجواب : لأن الشين وعار الزنى والمعرة بسببه تتعدى إلى الرسول لأنه زوجها وإلى أبي بكر الصديق لأنه أبوها وإلى عامة المسلمين لأنها أمهم فذكر الكل بلفظ الجمع (بيزار كرده شد كان يعني منزه ومعرا اند).
﴿مِمَّا يَقُولُونَ﴾ أي مما يقوله أهل الإفك في حقهم من الأكاذيب الباطلة في جميع الأعصار والأطوار إلى يوم القيامة ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ عظيمة لما يخلو عنه البشر من الذنب ﴿وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الجنة أي كثير ويقال حسن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٣٤
قال الكاشفي :(يعني ريح وبسيار وايدار مراد نعيم بهشت است).
قال الراغب : كل شيء يشرف في بابه فإنه يوصف بالكرم وقال بعضهم : الرزق الكريم هو الكفاف الذي لا منة فيه لأحد في الدنيا ولا تبعة له في الآخرة.