ـ وروي ـ أنه قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه :"أنا وأنت أبو هذه الأمة" وإلى هذا أشار بقوله :"كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي" ﴿وَأُوْلُوا الارْحَامِ﴾ أي : ذووا القرابات ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ في التوارث كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالموالاة في الدين والمؤاخاة وبالهجرة لا بالقرابة كما كانت تؤلف قلوب قوم بإسهام لهم في الصدقات ثم نسخ ذلك لما قوي الإسلام وعز أهله وجعل التوارث بالقرابة ﴿فِى كِتَـابِ اللَّهِ﴾ أي : في اللوح المحفوظ أو في القرآن المنزل وهو هذه الآية أو آية المواريث أو فيما فرض الله كقوله كتاب الله عليكم وهو متعلق بأولوا وأفعل يعمل في الجار والمجرور ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني الأنصار ﴿وَالْمُهَـاجِرِينَ﴾ (وازمهاجران كه حضرت يغمبر ايشانرا بايكديكر برادرى داد) وهو بيان لأولي الأرحام أي : الأقرباء من هؤلاء بعضهم أولى ببعض بأن يرث بعضهم بعضاً من الأجانب أو صلة أولى أي : أولوا الأرحام بحق القرابة أولى بالميراث من المؤمنين بحق الولاية في الدين ومن المهاجرين بحق الهجرة.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أي : أحق بهم في توليدهم من صلبه فالنبي بمنزلة أبيهم ﴿وَأَزْوَاجُه أُمَّهَـاتُهُمْ﴾ يشير إلى أن أمهاتهم قلوبهم وهن أزواجه يتصرف في قلوبهم تصرف الذكور في الإناث بشرط كمال التسليم ليأخذوا من صلب النبوة نطفة الولاية في أرحام القلوب وإذا حملوا النطفة صانوها من الآفات لئلا تسقط بأدنى رائحة من روائح حب الدنيا وشهواتها فإنها تسقط الجنين فيرتدوا على أعقابهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ثم قال :﴿وَأُوْلُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ يعني بعد أولوية النبي عليه السلام بالمؤمنين أولوا الأرحام في الدين بعضهم أولى ببعض للتربية أو بعد النبي عليه السلام أكابرهم من المؤمنين الكاملين أولى بأصاغرهم من الطالبين ﴿فِى كِتَـابِ اللَّهِ﴾ أي : في سنة الله وتقديره للتوالد في النشأة الثانية نيابة عن النبي عليه السلام ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنشأة الأخرى ﴿وَالْمُهَـاجِرِينَ﴾ عما سوى الله انتهى ﴿إِلا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَآاـاِكُم مَّعْرُوفًا﴾ استثناء من أعم ما تقدر الأولوية فيه من النفع كقولك القريب أولى من الأجنبي إلا في الوصية تريد أحق منه في كل نفع من ميراث وهبة وهدية وصدقة وغير ذلك إلا في الوصية فالمراد بالأولياء من يوالونهم ويواخونهم وبفعل المعروف التوصية بثلث المال أو أقل منه لا بما زاد عليه أي : أنهم أحقاء في كل نفع منهم إلا في الوصية لأنه لا وصية لوارث ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً أي : الأقارب أحق بالميراث من الأجانب لكن فعل التوصية أولى للأجانب من الأقارب لأنه لا وصية لوارث ﴿كَانَ ذَالِكَ﴾ أي : ما ذكر في الآيتين من أولوية النبي عليه السلام وتوارث ذوي الأرحام ﴿فِى الْكِتَـابِ﴾ متعلق بقوله :﴿مَسْطُورًا﴾ يقال سطر فلان كذا أي : كتب سطراً سطراً وهو الصف من الكتابة أي : مثبتاً محفوظاً في اللوح أو مكتوباً في القرآن.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
اعلم أنه لا توارث بين المسلم والكافر ولكن صحت الوصية بشيء من مال المسلم
١٤٠
للذمي لأنه كالمسلم في المعاملات وصحت بعكسه أي : من الذمي للمسلم ولذا ذهب بعضهم إلى أن المراد بالأولياء هم الأقارب من غير المسلمين أي : إلا أن توصوا لذوي قرابتكم بشيء وإن كانوا من غير أهل الإيمان وذلك فإن القريب الغير المسلم يكون كالأجنبي فتصح الوصية له مثله وندبت الوصية عند الجمهور في وجوه الخير لتدارك التقاصير.
وفي الزاهدي أنها مباحة كالوصية للأغنياء من الأجانب ومكروهة كالوصية لأهل المعصية ومستحبة كالوصية بالكفارات وفدية الصيامات والصلوات.
وفي الآية إشارة إلى أن النفس إذا تزكت عن الأخلاق الذميمة وتبدلت عداوتها وصارت من الأولياء بعد أن كانت من الأعداء فيواسيها ويعمل معها معروفاً برفق من الأرفاق كان ذلك المعروف في حق النفس مسطوراً في أم الكتاب وأما قبل التزكي فلا يرفق بها لأنها عدوة الله ولا بد للعدو من الغلظة وترك المواساة ولهذا لم تصح الوصية للحربي لأنه ليس من أهل البر فالوصية لمثله كتربية الحية الضارة لتلدغه، وفي "المثنوي" :
دست ظالم را ببر ه جاى آن
كه بدست او نهى حكم وعنانتوبدان بزمانى اى مجهل داد
كه ناد كرك را او شيرداد
نقش بى عهدست كان رو كشتنيست


الصفحة التالية
Icon