وعاشرها : أنعم عليكم بالإيمان ثم بالإيقان ثم بالإحسان ثم بالعرفان ثم بالعيان ثم بالعين ثم آتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها وذكر نعمته استعمالها في عبوديته أداء شكر نعمته وشكر النعمة رؤية النعمة ورؤية النعمة أن تكون ترى نعم توفيقه لأداء شكره إلى أن تجز عن أداء شكره فإن نعمته غير متناهية وشكرك متناه فرؤية العجز عن أداء الشكر حقيقة الشكر ومن الشكر أن تذكر ما سلف من الذي دفع عنك وأنت بصدده من أنواع البلاء والمحن والمصائب والمكائد فمن جملة ذلك قوله :﴿إِذْ جَآءَتْكُمْ﴾ الخ يشير إلى جنود الشياطين وجنود صفات النفس وجنود الدنيا وزينتها فأرسلنا عليهم ريحاً من نكباء قهرنا وجنوداً لم تروها من حفظنا وعصمتنا وكان الله بما تعملون من الميل إلى الدنيا وشهواتها بصيراً بدفعها وعلاجها كم من بلاء صرفه عن العبد ولم يشعر وكم شغل كان بصدده فصده عنه ولم يعلم وكم أمر عوّقه والعبد يضج وهو يعلم أن في تيسيره هلاكه فيمنعه منه رحمة عليه والعبد يهتم ويضيق به صدره.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
هره آمد ز آسمان قضا
بقضا مى نكر بعين رضا
خوش دل شوز ما جر اي قلم
زانكه حق از توبحالت اعلم
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَآءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الابْصَـارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِىَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا}.
﴿إِذْ﴾ بدل من إذ جاءتكم ﴿مِّن فَوْقِكُمْ﴾ من أعلى الوادي من جهة المشرق وهم بنو غطفان ومن تابعهم من أهل نجد وقائدهم عيينة بن حصين الفزاري وعامر بن الطفيل ومعهم اليهود ﴿وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أي : من أسفل الوادي من قبل المغرب وهم قريش ومن تابعهم من الجماعات المتفرقة وقائدهم أبو سفيان والفوق إشارة إلى الآفات السماوية والأسفل إلى المتولدات البشرية والكل بلاء وقضاء ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الابْصَـارُ﴾ عطف على ما قبله داخل في حكم التذكير.
والزيغ الميل عن الاستقامة.
قال الراغب : يصح أن يكون إشارة إلى ما تداخلهم من الخوف حتى أظلمت أبصارهم ويصح أن يكون إشارة إلى ما قال :﴿يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْىَ الْعَيْنِ﴾ (آل عمران : ١٣) انتهى والبصر الجارحة الناظرة والمعنى وحين مالت عن مستوى نظرها حيرة وشخوصاً لكثرة ما رأت من العدد والعدد فإنه كان مع قريش ثلاثمائة فرس وألف وخمسمائة بعير،
١٤٧
وبالفارسية :(وآنكه كه بكشت شمها در شم خانها ازبيم او خيره شد).
وقال بعضهم : المراد أبصار المنافقين لأنهم أشد خوفاً ولا حاجة إليه لأن من شأن ضعف الإنسانية التغير عند تراكم البلاء وترادف النكبات وهو لا ينافي قوة اليقين وكمال الاعتماد على الرب المعين كما دل عليه ما بعد الآية ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَه مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ (البقرة : ٢١٤) كما سبق في سورة البقرة ﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ﴾ جمع حنجرة وهي منتهى الحلقوم مدخل الطعام والشراب أي : بلغت رأس الغلصمة من خارج رعباً وغماً لأن الرئة بالفارسية (شش) تنتفخ من شدة الفزع والغم فيرتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الخنجرة وهو مشاهد في مرض الخفقان من غلبة السوداء.
قال قتادة : شخصت عن أماكنها فلولا أنه ضاق الحلقوم بها عن أن تخرج لخرجت.
وقال بعضهم : كادت تبلغ فإن القلب إذا بلغ الحنجرة مات الإنسان فعلى هذا يكون الكلام تمثيلاً لاضطراب القلوب من شدة الخوف وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
واعلم أنهم وقعوا في الخوف من وجهين : الأول خافوا على أنفسهم من الأحزاب لأن الأحزاب كانوا أضعافهم، والثاني : خافوا على ذراريهم في المدينة بسبب أن نقض بنو قريظة العهد كما سبق وقد قاسوا شدائد البرد والجوع كما قال بعض الصحابة لبثنا ثلاثة أيام لا نذوق زاداً وربط عليه السلام الحجر على بطنه من الجوع وهو لا ينافي قوله :"إني لست مثلكم إني أبيت عند ربي يطعمني ربي ويسقيني" فإنه قد يحصل الابتلاء في بعض الأحيان تعظيماً للثواب.
وأول بعض العارفين حديث ربط الحجر بأن لم يكن من الجوع في الحقيقة بل من كمال لطافته لئلا يصعد إلى الملكوت ويستقر في عالم الإرشاد فمن كانت الدنيا رشحة من فيض ديمه وقطرة من زواخر بحار نعمه لا يحتاج إليها ولكن الصبر عند الحاجة مع الوجدان من خواص من عصم بعصمة الرحمن.
در بزم احتشام توسياره هفت جام
بر مطبخ نوال توا فلان نه طبق