﴿وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ﴾ أي : الجنود المجتعة لمحاربة النبي عليه السلام وأصحابه يوم الخندق.
والحزب جماعة فيها غلظ كما في "المفردات" ﴿قَالُوا هَـاذَا﴾ البلاء العظيم ﴿مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ بقوله تعالى :﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُما مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ﴾ (البقرة : ٢١٤) الآية وقوله عليه السلام :"سيشتدّ الأمر باجتماع الأحزاب عليكم والعاقبة لكم عليهم" وقوله عليه السلام :"إن الأحزاب سائرون إليكم بعد تسع ليال أو عشر" ﴿وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾ أي : ظهر صدق خبر الله ورسوله ﴿وَمَا زَادَهُمْ﴾ ما رأوه، وبالفارسية :(ونيفزود ديدن احزاب مؤمنانرا) ﴿إِلا إِيمَانًا﴾ بالله ومواعيده ﴿وَتَسْلِيمًا﴾ لأوامره ومقاديره.
وقال الكاشفي :(وكردن نهادن احكام امر حضرت رسالت ناهى راكه سعادت دوسراى دران تسليم مندرجست) :
هركه دارد ون قلم سربر خط فرمان او
مى نويسد بخت طغراى شرف برنام او
﴿وَلَمَّا رَءَا الْمُؤْمِنُونَ الاحْزَابَ قَالُوا هَـاذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُه وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُه وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا * مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْه فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَه وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُا وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا * لِّيَجْزِىَ اللَّهُ الصَّـادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَـافِقِينَ إِن شَآءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾.
﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالإخلاص ﴿رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ اتوا الصدق في ﴿مَا عَـاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ من الثبات مع الرسول والمقاتلة لإعلاء الدين أي : حققوا العهد بما أظهروه من أفعالهم وهم عثمان بن عفان وطلحة بن عبيد الله وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وحمزة ومعصب بن عمير وأنس بن النضر وغيرهم رضي الله عنهم نذروا أنهم إذا لقوا حزباً مع رسول الله ثبتوا وقاتلوا حتى يستشهدوا.
قال الحكيم : الترمذي رحمه الله خص الله الإنس من بين الحيوان ثم خص المؤمنين من بين الإنس ثم خص الرجال من المؤمنين فقال :﴿رِجَالٌ صَدَقُوا﴾ فحقيقة الرجولية الصدق ومن لم يدخل في ميادين الصدق فقد خرج من حد الرجولة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
واعلم أن النذر قربة مشروعة وقد جمعوا على لزومه إذا لم يكن المنذور معصية وأما قوله عليه السلام :"لا تنذروا فإن النذر لا يغنى من القدر شيئاً" فإنما يدل على أن النذر المنهي لا يقصد به تحصيل غرض أو دفع مكروه على ظن أن النذر يرد من القدر شيئاً فليس مطلق النذر منهياً إذ لو كان كذلك لما لزم الوفاء به وآخر الحديث :"وإنما يستخرج به من البخيل" وهو إشارة إلى لزومه لأن غير البخيل يعطي باختياره بلا واسطة النذر والبخيل إنما يعطي بواسطة النذر الموجب عليه وأما لو كان النذر وعدمه سواء عنده وإنما نذر لتحقيق عزيمته وتوكيدها فلا كلام
١٥٨
في حسن مثل هذا النذر وأكثر نذور الخواص ما خطر ببالهم وعقده جنانهم فإن العقد اللساني ليس إلا لتتميم العقد الجناني فكما يلزم الوفاء في المعاقدة اللسانية فكذا في المعاقدة الجنانية فليحافظ فإنه من باب التقوي المحافظ عليها من أهل الله تعالى.
طريق صدق بياموز از رب صافي دل
براستى طلب ازاد كى وسرو من
وفاكنيم وملامت كشيم وخوش باشيم
كه در طريقت ما كافريست رنجيدن
﴿فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ﴾ تفصيل لحال الصادقين وتقسيم لهم إلى قسمين : والنحب النذر المحكوم بوجوبه وهو أن يلتزم الإنسان شيئاً من أعماله ويوجبه على نفسه وقضاؤه الفراغ منه والوفاء به يقال قضى فلان نحبه أي : وفى بنذره يعبر بذلك عمن مات كقولهم قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته وذلك لأن الموت كنذر لازم في عنق كل حيوان ومحل الجار والمجرور الرفع على الابتداء أي : فبعضهم من خرج عن عهدة النذر بأن قاتل حتى استشهد كحمزة ومصعب بن عمير وأنس بن النضر الخزرجي الأنصاري عم أنس بن مالك رضي الله عنه.
ـ روي ـ أن أنساً رضي الله عنه غاب عن بدر فشهد أحداً فلما نادى إبليس إلا أن محمداً قد قتل مر بعمر رضي الله عنه ومعه نفر فقال : ما يقعدكم؟ قالوا : قتل رسول الله قال : فما تصنعون بالحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه ثم جال بسيفه فوجد قتيلاً وبه بضع وثمانون جراحة.
بى زخم تيغ عشق زعالم نمى روم
بيرون شدن زمعركه بى زم عارماست
﴿وَمِنْهُمُ﴾ أي : وبعضهم ﴿مَّن يَنتَظِرُ﴾ قضاء نذره لكونه موقتاً كعثمان وطلحة وغيرهما فإنهم مستمرون على نذورهم وقد قضوا بعضها وهو الثبات مع رسول الله والقتال إلى حين نزول الآية الكريمة ومنتظرون قضاء بعضها الباقي وهو القتال إلى الموت شهيداً وفي وصفهم بالانتظار إشارة إلى كمال اشتياقيهم إلى الشهادة.


الصفحة التالية
Icon