يقول الفقير : لعل وجه قول ابن عباس رضي الله عنهما أن الزلة منهن كسوء الخلق مما يعد فاحشة بالنسبة إليهن لشرفهن وعلو مقامهن خصوصاً إذا حصل بها أذية النبي صلى الله عليه وسلّم ولذا قال :﴿يُضَـاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ أي : يعذبن ضعفي عذاب غيرهن أي : مثليه ﴿وَكَانَ ذَالِكَ﴾ أي : تضعيف العذاب ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ لا يمنعه عنه كونهن نساء النبي بل يدعوه إليه لمراعاة حقه.
قال في "الأسئلة المقحمة" : ما وجه تضعيف العذاب لزوجات النبي عليه السلام؟ الجواب لما كان فنون نعم الله عليهن أكثر وعيون فوائده لديهن أظهر من الاكتحال بميمون غرّة النبي عليه السلام وترداد الوحي إلى حجراتهن بإنزال الملائكة فلا جرم كانت عقوبتهن عند مخالفة الأمر من أعظم الأمور وأفخمها ولهذا قيل إن عقوبة من عصى الله تعالى عن العلم أكثر من عقوبة من يعصيه عن الجهل وعلى هذا أبداً.
وحد الحر أعظم من حد العبد وحد المحصن أعظم من حد غير المحصن لهذه الحقيقة انتهى.
وعوتب الأنبياء بما لا يعاتب به الأمم.
والحاصل أن الذنب يعظم بعظم جانيه وزيادة قبحه تابعة لزيادة شرف المذنب والنعمة فلما كانت الأزواج المطهرة أمهات
١٦٦
المؤمنين وأشراف نساء العالمين كان الذنب منهن أقبح على تقدير صدوره وعقوبة الأقبح أشد وأضعف.
وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
آنه عين لطف باشد برعوام
قهر شد برعشق كيشان كرام
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن الثواب والعقاب بقدر نفاسة النفس وخستها يزيد وينقص وأن زيادة العقوبة على الجرم من إمارات الفضيلة كحد الحر والعبد وتقليل ذلك من إمارات النقص.
وذلك لأن أهل السعادة على صنفين : صنف منهم السعيد والآخر الأسعد فالسعيد من أهل الجنة والأسعد من أهل الله فإذا صدر من السعيد طاعة فأعطى بها أجراً واحداً من الجنة وإن صدر منه معصية فأعطى بها عذاباً واحداً من الجحيم وإذا صدر من الأسعد طاعة فأعطى أجره مرتين وذلك بأن يزيد له بها درجة في الجنة ومرتبة في القربة وإن صدر منه معصية يضاعف له العذاب ضعفين بنقص في درجة من الجنة ونقص في مرتبته من القربة أو عذاب من ألم مس النار وعذاب من ألم مس البعد وذل الحجاب ومن هنا دعاء السريّ السقطي قدس سره اللهم إن كنت تعذبني بشيء فلا تعذبني بذل الحجاب، وكان ذلك على الله يسيراً أن يضاعف لهم العذاب ضعفين بخلاف الخلق لأن تضعيف العذاب في حقهم ليس بيسير لأنهم يتبعون به ويعسر عليهم ذلك انتهى عصمنا الله وإياكم من العذاب وشرفنا بجزيل الثواب.
ومن أسباب العذاب والتنزل عدم التوكل وترك القناعة بالواصل والسعي بلا حاصل.
قال عبد الواحد بن زيد : سألت الله تعالى ثلاث ليال أن يريني رفيقي في الجنة فقيل لي : يا عبد الواحد رفيقك في الجنة ميمونة السوداء فقلت : وأين هي؟ فقيل لي : في بني فلان بالكوفة فخرجت فإذا هي قائمة تصلي وإذا بين يديها عكاز وعليها جبة صوف مكتوب عليها لا تباع ولا تشتري وإذا الغنم مع الذئاب ترعى فلا الذئاب تأكل الغنم ولا الغنم تخاف الذئاب فلما رأتني أوجزت في صلاتها ثم قالت : ارجع يا ابن زيد ليس الموعد ههنا إنما الموعد ثمة فقلت : رحمك الله من أعلمك أني ابن زيد فقالت : إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها اختلف فقلت لها : عظيني فقالت : واعجباً يوعظ لواعظ بلغني أنه ما من عبد أعطى من الدنيا شيئاً فابتغى إليه ثانياً إلا سلبه الله حب الخلوة معه وبدله بعد القرب بعداً وبعد الأنس وحشة ولهذا السر وعظ الله الأرواح المطهرة في القرآن وذلك من فضله، قال الصائب :
تازخاك اى درويشى توانى سرمه كرد
خاك در شمت اكر درادشاهى بنكرى
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
يعني أن جلاء البصر في الفقر والقناعة وترك زينة الدنيا لا في الدولة والسلطنة والنعيم الفاني فإن الدنيا كدر بما فيها.
فعلى العاقل تخفيف الأثقال والأوزار وتكميل التجرد إلى آخر جزء من عمره السيار :
١٦٧


الصفحة التالية
Icon