وفي الآية إشارة إلى أن الطاعة والعمل الخالص من غير شوب بطمع الجنة ونحوها يوجب أجراً بمزيد في القربة وبتبعيتها يوجب أجراً آخر في درجات الجنة والعمل بالنفس يزيد في وجودها وأما العمل وفق إشارة المرشد ودلالة الأنبياء والأولياء فيخلصها من الوجود وعلامة الخلاص من الوجود العمل بالحضور والتوجه التام لا بالانقلاب والاضطراب ألا ترى أن بعض المريدين دخل التنور اتباعاً لأمر شيخه أبي سليمان الداراني رحمه الله فلم يحترق منه شيء وكيف يحترق ولم يبق منه سوى الاسم من الوجود وهذا هو الشهود وهو الرزق الكريم فإن الكريم هو الله فيرزق المخلص من المشاهدات الربانية والمكاشفات والمكالمات مزيداً على القربة وهذا معنى قوله تعالى :﴿وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء : ٤٠) ألا ترى أن إبراهيم الخليل عليه السلام لم يحترق في نار النمرود بل وجد الرزق الكريم من الله الودود لأن كل نعيم ظاهري لأهل الله فإنما ينعكس من نعيم باطني لهم وحقيقة الأجر إنما تعطي في النشأة الآخرة لأن هذه النشأة لا تسعها لضيقها نسأل الله القنوت والعمل ونستعيذ به من الفتور والكسل فإن الكسل يورث الغفلة والحجاب كما أن العمل يورث الشهود وارتفاع النقاب فإن التجليات الوجودية مظاهر التجليات الشهودية ومنه يعرف سر قوله عليه السلام :"دم على الطهارة يوسع عليك الرزق" فكما أن الطهارة الصورية تجلب بخاصيتها الرزق الصوري
١٦٨
فكذا الطهارة المعنوية تجذب بمقتضاها الرزق المعنوي فيحصل لكل من الجسم والروح غذاؤه ويظهر سر الحياة الباقية فإن أذواق الروح لا نهاية لها لا في الدنيا ولا في الآخرة، وفي "المثنوي" :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
اين زمين وسختيان ردست وبس
اصل روزى از خدا دان هرنفس
رزق ازوى جو مجو از زيد وعمرو
مستى ازوى جو مجو از بنك وخمر
منعمى زوخواه نى از كنج ومال
نصرت ازوى خواه نى ازعم وخال
اللهم اجعلنا من خلص العباد وثبت أقدامنا في طريق الرشاد بحق النون والصاد.
﴿النَّبِىُّ﴾ (اى زنان يغمبر) ﴿لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ (نيستيد شماون هي كس اززنان ديكر).
وأصل أحد وحد بمعنى الواحد قلبت واوه همزة على خلاف القياس ثم وضع في النفي العام مستوياً فيه المذكر والمؤنث والواحد والكثير.
والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء في الفضل والشرف بسبب صحبة النبي عليه السلام فإن المضاف إلى الشريف شريف ﴿إِنِ اتَّقَيْتُنَّ﴾ مخالفة حكم الله ورضى رسوله وهو استئناف والكلام تام على أحد من النساء ويحتمل أن يكون شرطاً لخيريتهن وبياناً أن فضيلتهن إنما تكون بالتقوى لا بالتصالهن بالنبي عليه السلام :
زهد وتقوى فضل را محراب شد†
﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ﴾ عند مخاطبة الناس أي : لا تجبن بقولكن خاضعاً ليناً مثل قول المطمعات، وبالفارسية :(س نرمى وفروتنى مكنيد درسخن كفتن ونياز مكوييد بامردان بيكانه).
والخضوع التطامن والتواضع والسكون والمرأة مندوبة إلى الغلظة في المقالة إذا خاطبت الأجانب لقطع الأطماع فإذا أتى الرجل باب إنسان وهو غائب فلا يجوز للمرأة أن تلين بالقول معه وترفق الكلام له فإنه يهيج الشهوة ويورث الطمع كما قال :﴿فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ﴾ أي : محبة فجور ﴿وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا﴾ بعيداً من التهمة والأطماع بجد وخشونة لا بتكسر وتغنج كما يفعله المخنث فالزنى من أسباب الهلاك المعنوي كالمرض من أسباب الهلاك الصوري وسببه الملاينة والمطاوعة.
هست نرمى آفت جان سمور
وزدرشتى ميبردجان خارشت
وفي الآية إشارة إلى أن أحوال أرباب القلوب الذين أسلموا أرحام قلوبهم لتصرفات ولاية المشايخ ليست كأحوال غيرهم من الخلق فالمتقي بالله من غيره لا يخضع لشيء من الدارين فإن الخضوع بالقول يجذب إلى الخضوع بالقلب والعمل وكثير من الصادقين يخضعون بالقول لأرباب الدنيا والأعمال الدنيوية لصلاح الآخرة ومصالح الدين بزعمهم فبالتدريج يقعون في ورطة الهلاك ويرجعون القهقرى إلى الدنيا ويستغرقون في بحر الفضلات لضعف الخالات فلا بد من ترك المساعدات وترك الشروع في شيء من أحوال الدنيا وأعمالها إلا بالمعروف وإلا فيكون مغلوباً بالمنكرات فنعوذ بالله من المخالفات.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
يا نِسَآءَ النَّبِىِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَآءِا إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِه مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَـاهِلِيَّةِ الاولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَه ا إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ}.


الصفحة التالية
Icon