﴿وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا * هُوَ الَّذِى يُصَلِّى عَلَيْكُمْ وَمَلَائكَتُه لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِا وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا * تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿هُوَ الَّذِى﴾ (اوست آن خداونديكه) ﴿يُصَلِّى عَلَيْكُمْ﴾ يعتني بكم بالرحمة والمغفرة والتزكية (والاعتناء : عنايت ورعايت داشتن) ﴿وَمَلَائكَتُهُ﴾ عطف على المستكن في يصلي لمكان الفصل المغني عن التأكيد بالمنفصل أي : ويعتني ملائكته بالدعاء والاستغفار فالمراد بالصلاة المعني المجازي الشامل للرحمة والاستغفار وهو الاعتناء بما فيه خيرهم وصلاح أمرهم.
وعن السدي قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام : أيصلي ربنا فكبر هذا الكلام عليه فأوحى الله إليه أن قل لهم إني أصلي وإن صلاتي رحمتي التي تطفىء غضبي وقيل له عليه السلام ليلة المعراج :"قف يا محمد فإن ربك يصلي" فقال عليه السلام : إن ربي لغني عن أن يصلي فقال تعالى :"أنا الغني عن أن أصلي لأحد وإنما أقول سبحاني سبحاني سبقت رحمتي غضبي اقرأ يا محمد هو الذي يصلي عليكم وملائكته الآية فصلاتي رحمة لك ولأمتك" فكانت هذه الآية إلى قوله : رحيماً مما نزلت بقاب قوسين بلا وساطة جبريل عليه السلام.
وفي رواية لما وصلت إلى السماء السابعة قال لي جبريل : رويداً أي : قف
١٩٣
قليلاً فإن ربك يصلي قلت : أهو يصلي؟ قال : نعم قلت : وما يقول؟ قال :"سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبقت رحمتي غضبي".
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنكم إن تذكروني بذكر محدث فإني قد صليت عليكم بصلاة قديمة لا أول لها ولا آخر وإنكم لولا صلاتي عليكم لما وفقتم لذكري كما أن محبتي لو لم تكن سابقة على محبتكم لما هديتم إلى محبتي وأما صلاة الملائكة فإنما هي دعاء لكم على أنهم وجدوا رتبة الموافقة مع الله في الصلاة عليكم ببركتكم ولولا استحقاقكم لصلاة الله عليكم لما وجدوا هذه الرتبة الشريفة.
وفي "عرائس البقلى" صلوات الله اختياره للعبد في الأزل بمعرفته ومحبته فإذا خص وجعل زلاته مغفورة وجعل خواص ملائكته مستغفرين له لئلا يحتاج إلى الاستغفار بنفسه لاشتغاله بالله وبمحبته.
قال أبو بكر بن طاهر : صلوات الله على عبده أن يزينه بأنوار الإيمان ويحليه بحلية التوفيق ويتوجه بتاج الصدق ويسقط عن نفسه الأهواء المضلة والإرادات الباطلة ويجعل له الرضى بالمقدور، قال الحافظ :
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاى
كه برمن وتو در اختيار نكشا دست
﴿لِيُخْرِجَكُم﴾ الله تعالى بتلك الصلاة والعناية وإنما لم يقل ليخرجاكم لئلا يكون للملائكة منة عليهم بالإخراج ولأنهم لا يقدرون على ذلك لأن الله هو الهادي في الحقيقة لا غير ﴿مِنَ الظُّلُمَـاتِ إِلَى النُّورِ﴾ الظلمة عدم النور ويعبر بها عن الجهل والشرك والفسق ونحوها كما يعبر بالنور عن أضدادها أي : من ظلمات الجهل والشرك والمعصية والشك والضلالة والبشرية وصفاتها والخلقية الروحانية إلى نور العلم والتوحيد والطاعة واليقين والهدي والروحانية وصفاتها والربوبية بجذبات تجلي ذاته وصفاته.
والمعنى برحمة الله وبسبب دعاء الملائكة فزتم بالمقصود ونلتم الشهود ونورتم بنور الشريعة وتحققتم بسر الحقيقة.
وقال الكاشفي :(مراد از اخراج ادامت واستقامت است بر خروج ه دروقت صلاة خدا وملائكه بر ايشان در ظلمات نبوده اند) ﴿وَكَانَ﴾ في الأزل قبل إيجاد الملائكة المقربين ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ بكافتهم قبل وجوداتهم العينية ﴿رَّحِيمًا﴾ ولذلك فعل بهم ما فعل من الاعتناء بصلاحهم بالذات وبواسطة الملائكة فلا تتغير رحمته يتغير أحوال من سعد في الأزل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
كرد عصيان رحمت حق را نمى آردبشور
مشروب دريا نكردد تيره ازسيلابها
ولما بين عنايته في الأولى وهي هدايته إلى الطاعة ونحوها بين عنايته في الآخرة فقال :
﴿تَحِيَّتُهُمْ﴾ من إضافة المصدر إلى المفعول أي : ما يحيون به.
والتحية الدعاء بالتعمير بأن يقال : حياك الله أي : جعل لك حياة ثم جعل كل دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة أو سبب حياة إما لدنيا وإما لآخرة ﴿يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ يوم لقائه تعالى عند الموت أو عند البعث من القبور أو عند دخول الجنة ﴿سَلَـامٌ﴾ تسليم عليهم من الله تعظيماً لهم :
خوشست ازتوسلامى بما در آخر عمر
ونامه رفت باتمام والسلام خوشست
أومن الملائكة بشارة لهم بالجنة أو تكرمة لهم كما في قوله تعالى :﴿والملائكة يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلَـامٌ عَلَيْكُم﴾ (الرعد : ٢٣ ـ ٢٤) أو إخبار بالسلامة من كل مكروه وآفة وشدة.
وعن أنس رضي الله عنه
١٩٤