الرديئة والمفيض تعالى وتقدس في غاية التنزه والتقدس فليس بينهما مناسبة والاستفاضة منه إنما تحصل بواسطة ذي جهتين أي : جهة التجرد وجهة التعلق كالحطب اليابس بين النار والحطب الرطب وكالغضروف بين اللحم والعظم وتلك الواسطة حضرة صاحب الرسالة عليه السلام حيث يستفيض من جهة تجرده ويفيض من جهة تعلقه فالصلاة عليه واجبة عقلاً كما أنها واجبة شرعاً أي : بهذه الآية لكن مطلقاً أي : في الجملة إذ ليس فيها تعرض للتكرار كما في قوله تعالى :﴿اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾ (الأحزاب : ٤١).
وقال الطحاوي : تجب الصلاة عليه كلما جرى ذكره على لسانه أو سمعه من غيره.
قال في "بحر العلوم" وهو الأصح لأن الأمر وإن كان لا يقتضي التكرار إلا أن تكرار سبب الشيء يقتضي تكراره كوقت الصلاة لقوله عليه السلام :"من ذكرت عنده فلم يصل عليّ فدخل النار فأبعده الله" أي : من رحمته وفي الحديث :"لا يرى وجهي ثلاثة أقوام أحدها العاق لوالديه والثاني تارك سنتي والثالث من ذكرت عنده فلم يصل عليّ" وفي الحديث :"أربع من الجفاء أن يبول الرجل وهو قائم وأن يمسح جبهته قبل أن يفرغ وأن يسمع النداء فلا يشهد مثل ما يشهد المؤذن وأن أذكر عنده فلا يصلي عليّ".
فإن قلت : الصلاة على النبي لم تخلُ عن ذكره ولو وجبت كلما ذكر لم نجد فراغاً من الصلاة عليه مدة عمرنا.
قلت : المراد من ذكر النبي الموجب للصلاة عليه الذكر المسموع في غير ضمن الصلاة عليه.
وقيل : تجب الصلاة في كل مجلس مرة في الصحيح وإن تكرر ذكره كما قيل في آية السجدة وتشميت العاطس وإن كان السنة أن يشمت لكل مرة إلى أن يبلغ إلى ثلاث ثم هو مخير إن شاء شمته وإن شاء تركه.
وكذلك تجب الصلاة في كل دعاء في أوله وآخره وقيل : تجب في العمر مرة كما في إظهار الشهادتين والزيادة عليها مندوبة والذي يقتضيه الاحتياط وتستدعيه معرفة علو شأنه أن يصلي عليه كلما جرى ذكره الرفيع كما قال في "فتح الرحمن" : المختار في مذهب أبي حنيفة أنها مستحبة كلما ذكر وعليه الفتوى.
وفي تفسير الكاشفي (وفتوى بر آنست كه نام آن حضرت هرند تكرار يابد يك نوبت درود واجبست وباقي سنت) أي : يستحب تكرارها كلما ذكر بخلاف سجود التلاوة فإنه لا يندب تكراره بتكرير التلاوة في مجلس واحد.
والفرق أن الله تعالى غني غير محتاج بخلاف النبي عليه السلام كما في "حواشي الهداية" للإمام الخبازي ولو تكرر اسم الله في مجلس واحد أو في مجالس يجب لكل مجلس ثناء على حدة بأن يقول : سبحان الله أو تبارك الله أو جل جلاله أو نحو ذلك فإن تعظيم الله لازم في كل زمان ومكان ولو تركه لا يقضي بخلاف الصلاة على النبي عليه السلام لأنه لا يخلو عن تجدد نعم الله الموجبة للثناء فلا يخلص للقضاء وقت بخلاف الصلاة على النبي فتبقى ديناً في الذمة فتقضي لأن كل وقت محل للأداء.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
وفي قاضي خان رجل يقرأ القرآن ويسمع اسم النبي لا تجب عليه الصلاة والتسليم لأن قراءة القرآن على النظم والتأليف أفضل من الصلاة على النبي فإذا فرغ من القرآن إن صلى عليه كان حسناً وإن لم يصل لا شيء عليه.
أما الصلاة عليه في التشهد الأخير كما سبق فسنة عند أبي حنيفة ومالك وشرط لجواز الصلاة عند الشافعي وركن عند أحمد فتبطل الصلاة عندهما بتركها عمداً كان أو سهواً لقوله عليه
٢٢٧