قال في "التأويلات" لما استحق المؤمنون بطاعة الرسول والصلاة عليه صلاة الله فكذلك الكافرون استحقوا بمخالفة الرسول وإيذائه لعنة الله فلعنة الدنيا هي الطرد عن الحضرة والحرمان من الإيمان ولعنة الآخرة الخلود في النيران والحرمان من الجنان وهذا حقيقة قوله :﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا﴾.
قال في "فتح الرحمن" : يحرم أذى النبي عليه السلام بالقول والفعل بالاتفاق.
واختلفوا في حكم من سبه والعياذ بالله من المسلمين.
فقال أبو حنيفة والشافعي هو كفر كالردة يقتل ما لم يتب وقال مالك وأحمد يقتل ولا تقبل توبته لأن قتله من جهة الحد لا من جهة الكفر.
وأما الكافر إذا سبه صريحاً بغير ما كفر به من تكذيبه ونحوه.
فقال أبو حنيفة : لا يقتل لأن ما هو عليه من الشرك أعظم ولكن يؤدب ويعزر.
وقال الشافعي : ينتقض عهده فيخير فيه الإمام بين القتل والاسترقاق والمنّ والفداء ولا يرد مأمنه لأنه كافر لا أمان له ولو لم يشترط عليه الكف عن ذلك بخلاف ما إذا ذكره بسوء يعتقده ويتدين به كتكذيب ونحوه فإنه لا ينتقض عهده بذلك إلا باشتراط.
وقال مالك وأحمد : يقتل ما لم يسلم واختار جماعة من أئمة مذهب أحمد أن سابه عليه السلام يقتل بكل حال منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وقال : هو الصحيح من المذهب وحكم من سب سائر أنبياء الله وملائكته حكم من سب نبينا عليه السلام.
وأما من سب الله تعالى والعياذ بالله من المسلمين بغير الارتداد عن الإسلام ومن الكفار بغير ما كفروا به من معتقدهم في عزير والمسيح ونحو ذلك فحكمه حكم من سب النبي صلى الله عليه وسلّم نسأل الله العصمة والهداية ونعوذ به من السهو والزلل والغواية إنه الحافظ الرقيب.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ﴾ يفعلون بهم ما يتأذون به من قول أو فعل ﴿بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا﴾ أي : بغير جناية يستحقون بها الأذية وتقييد أذاهم به بعد إطلاقه في الآية السابقة للإيذان بأن أذى الله ورسوله لا يكون إلا غير حق وأما أذى هؤلاء فقد يكون حقاً وقد يكون غير حق.
والآية عامة لكل أذى بغير حق في كل مؤمن ومؤمنة.
فتشمل ما روى أن عمر رضي الله عنه خرج يوماً فرأى جارية مزينة مائلة إلى الفجور فضربها فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان.
وما روي أن المنافقين كانوا يؤذون علياً رضي الله عنه ويسمعونه ما لا خير فيه.
وما سبق من قصة الأفك حيث اتهموا عائشة بصفوان السهمي رضي الله عنهما.
وما روي أن الزناة كانوا يتبعون النساء إذا برزن بالليل لطلب الماء أو لقضاء حوائجهن وكانوا لا يتعرضون إلا للإماء ولكن ربما كان يقع منهم التعرض للحرائر أيضاً جهلاً أو تجاهلاً لاتحاد الكل في الزي واللباس حيث كانت تخرج الحرة والأمة في درع
٢٣٨
وخمار وما سيأتي من أراجيف المرجفين وغير ذلك مما يثقل على المؤمن ﴿فَقَدِ احْتَمَلُوا﴾ الاحتمال مثل الاكتساب بناء ومعنى كما في "بحر العلوم".
وقال بعضهم : تحملوا لأن الاحتمال بالفارسية :(برداشتن) ﴿بُهْتَـانًا﴾ افتراء وكذباً عليهم من بهته فلان بهتاناً إذا قال عليه ما لم يفعله، وبالفارسية :(دروغى بزرك) ﴿وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾ أي : ذنباً ظاهراً.
وقال الكاشفي، يعني :(سزاوار عقوبت بهتان ومستحق عذاب كناه ظاهر ميشوند).
واعلم أن أذى المؤمنين قرن بأذى الرسول عليه السلام كما أن أذى الرسول قرن بأذى الله ففيه إشارة إلى أن من آذى المؤمنين كان كمن آذى الرسول ومن آذى الرسول كان كمن آذى الله تعالى فكما أن المؤذيوللرسول مستحق الطرد واللعن في الدنيا والآخرة فكذا المؤذي للمؤمن.
ـ روي ـ أن رجلاً شتم علقمة رضي الله عنه فقرأ هذه الآية.
وعن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال : خرج النبي عليه السلام على أصحابه فقال :"رأيت الليلة عجباً رأيت رجالاً يعلقون بألسنتهم فقلت : من هؤلاء يا جبريل فقال : هؤلاء الذين يرمون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا" وفي الحديث القدسي :"من آذى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة"، يعني :(هركه دوستى را ازدوستان من بيازا رد آن آزارنده جنك مراساخته وازآزا رآن دوست جفاى من خواسته وهركه جنك مراسازد ويرا بلشكر انتقام مقهور كنم واورا بخوارى اندر جهان مشهور سازم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٣١
ـ روي ـ ) أن ابن عمر رضي الله عنهما نظر يوماً إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك.
وأوحى الله إلى موسى عليه السلام لو يعلم الخلق إكرامي الفقراء في مجلى قدسي وداركرامتى للحسوا أقدامهم وصاروا تراباً يمشون عليهم فوعزتي ومجدي وعلوي وارتفاع مكاني لأسفرنّ لهم عن وجهي الكريم واعتذر إليهم بنفسي وأجعل شفاعتهم لمن برهم فيّ أو آواهم فيّ ولو كان عشاراً وعزتي ولا أعز مني وجلالي ولا أجل مني إني أطلب ثارهم ممن عاداهم حتى أهلكه في الهالكين، قال الشيخ سعدي قدس سره :
نكو كار مردم نباشد بدش
نورزد كسى بدكه نيك آيدش