وفي "التأويلات النجمية" : أشار بقوله :﴿وَاعْمَلُوا صَـالِحًا﴾ إلى جميع أعضائه الظاهرة والباطنة أن تعمل في العبودية كل واحدة منها عملاً يصلح لها ولذلك خلقت إني بعمل كل واحدة منكن بصير وبالبصارة خلقتكن انتهى.
والبصير هو المدرك لكل موجود برؤيته ومن عرف أنه البصير راقبه في الحركات والسكنات حتى لا يراه حيث نهاه أو يفقده حيث أمره.
وخاصية هذا الاسم وجود التوفيق فمن قرأه قبل صلاة الجمعة مائة مرة فتح الله بصيرته ووفقه لصالح القول والعمل وإن كان الإنسان لا يخلو عن الخطأ.
يقال : كان داود عليه السلام يقول : اللهم لا تغفر للخطائين غيره منه وصلابة في الدين فلما وقع له ما وقع من الزلة كان يقول : اللهم اغفر للمذنبين.
ويقال لما تاب الله عليه اجتمع الإنس والجن والطير بمجلسه فلما رفع صوته
٢٦٨
وأدار لسانه في حنكه على حسب ما كان من عادته تفرقت الطيور وقالت : الصوت صوت داود والحال ليست تلك الحال فبكى داود عليه السلام وقال : ما هذا يا رب فأوحى الله إليه يا داود هذا من وحشة الزلة وكانت تلك من إنس الطاعة :
قدم نتوان نهاد آنجاكه خواهى
بفرمان رو بفرمان كن نكاهى
كه هر كاو نه بامر حق قدم زد
و شمع ازسر برآمد تيز دم زد
﴿أَنِ اعْمَلْ سَـابِغَـاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِا وَاعْمَلُوا صَـالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌا وَأَسَلْنَا لَه عَيْنَ الْقِطْرِا وَمِنَ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَلِسُلَيْمَـانَ الرِّيحَ﴾ أي : وسخرنا له الريح وهي الصبا ﴿غُدُوُّهَا﴾ أي : جريها وسيرها بالغداة أي : من لدن طلوع الشمس إلى زوالها وهو وقت انتصاف النهار، وبالفارسية :(بامدادبردن باد اورا) ﴿شَهْرٍ﴾ مسيرة شهر أي : مسير دواب الناس في شهر.
قال الراغب : الشهر مدة معروفة مشهورة بإهلال الهلال أو باعتبار جزء من اثني عشر جزأ من دوران الشمس من نقطة إلى تلك النقطة.
والمشاهرة المعاملة بالشهر كما أن المسانهة والمياومة المعاملة بالسنة واليوم ﴿وَرَوَاحُهَا﴾ أي : جريها وسيرها بالعشي أي : من انتصاف النهار إلى الليل، وبالفارسية :(ورفتن او شبانكاه) ﴿شَهْرٍ﴾ مسيرة شهر ومسافته يعني كانت تسير في يوم واحد مسيرة شهرين للراكب.
والجملة إما مستأنفة أو حال من الريح.
وعن الحسن كان يغدو بدمشق مع جنوده على البساط فيقيل باصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع واصطخر بوزن فردوس بلدة من بلاد فارس بناها لسليمان صخر الجني المراد بقوله :﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الْجِنِّ﴾ (النمل : ٣٩) ثم يروح أي : من اصطخر فيكون رواحه بكابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وكابل بضم الباء الموحدة ناحية معروفة من بلاد الهند وكان عليه السلام يتغدى بالري ويتعشى بالسمرقند والري من مشاهير ديار الديلم بين قومس والجبال وسمرقند أعظم مدينة بما وراء النهر أي : نهر جيحون.
ـ ويحكى ـ أن بعضهم رأى مكتوباً في منزل بناحية دجلة كتبه بعض أصحاب سليمان نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه غدونا من اصطخر فقلناه ونحن رائحون عنه فبائتون بالشام إن شاء الله.
قال في "كشف الأسرار" :(كفته اند سفروى از زمين عراق بود تابمرو وازآنجا تاببلخ وازآنجا تادر بلاد ترك شدى وبلاد ترك باز بريدى تازمين ين آنكه سوى راست زجانب مطلع آفتاب بركشتى برساحل دريا تابزمين قندهار وازآنجا تا بمكران وكرمان وازآنجا تا باصطخر فارس نزولكاه وى بود يكخند آنجا مقام كردى وازآنجا بامداد برفتى وشبانكاه بشام بودى بمدينه تدمر ومسكن ومستقروى تدمربود) وكان سليمان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر وقد وجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض الشام أنشأها بعض أصحاب سليمان :
ونحن ولا حول سوى حول ربنا
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
نروح إلى الأوطان من أرض تدمر
إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا
مسيرة شهر والغدوّ لآخر
اناس شرو الله طوعا نفوسهم
بنصر ابن داود النبي المطهر
متى يركب الريح المطيعة أرسلت
مبادرة عن شهرها لم تقصر
٢٦٩
تظلهمو طير صفوف عليهمو
متى رفرفت من فوقهم لم تبتر