جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿قُلْ﴾ يا محمد للمشركين إظهاراً لبطلان ما هم عليه وتبكيتاً لهم ﴿ادْعُوا﴾ نادوا ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾.
قال في "القاموس" : الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد وأكثر ما يقال فيما يشك فيه.
وفي "المفردات" الزعم حكاية قول يكون مظنة الكذب ولهذا جاء في القرآن في كل موضع ذم القائلين به والمعنى زعمتموهم آلهة وهما مفعولا زعم ثم حذف الأول وهو ضمير الراجع إلى الموصول تخفيفاً لطول الموصول بصلته والثاني وهو آلهة لقيام صفته أعني قوله :﴿مِن دُونِ اللَّهِ﴾ مقامه والمعنى ادعوا الذين عبدوهم من دون الله فيما يهتمكم من جلب نفع ودفع ضر لعلهم يستجيبون لكم إن صح دعواكم ثم أجاب عنه إشعاراً بتعين الجواب وأنه لا يقبل المكابرة فقال بطريق الاستئناف لبيان حالهم ﴿لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ من خير وشر ونفع وضر وقد سبق معنى المثقال والذرة في أوائل هذه السورة
٢٨٩
﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الأرْضِ﴾ أي : في أمر ما من الأمور وذكرهما للتعميم عرفاً يعني أن أهل العرف يعبرون بهما عن جميع الموجودات كما يعبرون بالمهاجرين والأنصار عن جميع الجماعة أو لأن آلهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها أرضية كالأصنام أو لأن الأسباب القريبة للخير والشر سماوية وأرضية ﴿وَمَا لَهُمْ﴾ أي : لآلهتهم ﴿فِيهِمَآ﴾ في السموات والأرض ﴿مِن شِرْكٍ﴾ أي : شركة لا خلقاً ولا ملكاً ولا تصرفاً ﴿مَالَهُ﴾ أي : تعالى ﴿مِنْهُمْ﴾ من آلهتهم ﴿مِّن ظَهِيرٍ﴾ من عون يعينه في تدبير أمورهما.
تلخيصه أنه تعالى غني عن كل خلقه وآلهتهم عجزة عن كل شيء، وفي "المثنوي" :
نيست خلقش را دكر كس مالكى
شر كتش دعوى كند جزهالكىذات او مستغنيست از ياورى
بلكه يابد عون ازو هر سرورى ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّه لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا فِى الارْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَه مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ * وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ عِندَه إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَه حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّا وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ﴾ وهي طلب العفو أو الفضل للغير من الغير يعني أن الشافع شفيع للمشفوع له في طلب نجاته أو زيادة ثوابه ولذا لا تطلق الشفاعة على دعاء الرجل لنفسه وأما دعاء الأمة للنبي عليه السلام وسؤالهم له مقام الوسيلة فلا يطلق عليه الشفاعة إما لاشتراط العلو في الشفيع وإما لاشتراط العجز في المشفوع له وكلاهما منتف ههنا ﴿عِندَهُ﴾ تعالى كما يزعمون أي : لا توجد رأساً لقوله تعالى :﴿مَن ذَا الَّذِى يَشْفَعُ عِندَه إِلا بِإِذْنِهِ﴾ (البقرة : ٥ذ٢) وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحاً بنفي ما هو غرضهم من وقوعها ﴿إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي : لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلا كائنة لمن أذن له أي : لأجله وفي شأنه من المستحقين للشفاعة وإما من عداهم من غير المستحقين لها فلا تنفعهم أصلاً وإن فرض وقوعها وصدورها عن الشفعاء إذ لم يأذن لهم في شفاعتهم بل في شفاعة غيرهم فعلى هذا يثبت حرمانهم من شفاعة هؤلاء بعبارة النص ومن شفاعة الأصنام بدلالته إذ حين حرموها من جهة القادرين على شفاعة بعض المحتاجين إليها فلأن يحرموها من جهة العجزة عنها أولى ﴿إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ﴾ التفزيع من الأضداد فإنه التخويف وإزالة الخوف والفزع وبالفارسية :(بترسانيدن واندوه وابردن) وهذا يعدي بعن كما في هذا المقام والفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهو من جنس الجزع ولذا لا يقال فزعت من الله كما يقال خفت منه والمعنى حتى إذا أزيل الفزع عن قلوب الشفعاء والمشفوع لهم من المؤمنين وأما الكفرة فهم عن موقف الاستشفاع بمعزل وعن التفزيع عن قلوبهم بألف منزل وحتى غاية لما ينبىء عنه ما قبلها من الإشعار بوقوع إلا لمن أذن له فإنه يشعر بالاستئذان المستدعي الترقب والاسنتظار للجواب كأنه سئل كيف يؤذن لهم فقيل : يتربصون في موقف الاستئذان والاستدعاء ويتوقفون على وجل وفزع زماناً طويلاً حتى إذا أزيل الفزع عن قلوبهم بعد اللتيا والتي وظهرت لهم تباشير الإجابة ﴿قَالُوا﴾ أي : المشفوع لهم إذ هم المحتاجون إلى الإذن والمهتمون بأمره ﴿مَاذَآ﴾ (ه يز) ﴿قَالَ رَبُّكُمْ﴾ أي : في شأن الإذن
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿قَالُوا﴾ أي : الشفعاء لأنهم المباشرون للاستئذان بالذات المتوسطون، بينهم وبينه تعالى بالشفاعة ﴿الْحَقِّ﴾ أي : قال ربنا القول الحق وهو الإذن في الشفاعة للمستحقين لها ﴿وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ﴾ من
٢٩٠


الصفحة التالية
Icon