بست أعطيت جوامع الكلم" وهي ما يكون ألفاظه قليلة ومعانيه كثيرة "ونصرت بالرعب" يعني نصرني الله بإلقاء الخوف في قلوب أعطائي "من مسيرة شهر بيني وبينهم" وجعل الغاية شهراً لأنه لم يكن بين بلده وبين أحد من أعدائه المحاربين له أكثر من شهر "وأحلت لي الغنائم" يعني أن من قبله من الأمم كانوا إذا غنموا الحيوانات تكون ملكاً للغانمين دون الأنبياء فخص نبينا عليه السلام بأخذ الخمس والصفي وإذا غنموا غيرها من الأمتعة والأطعمة والأموال جمعوه فتجيىء نار بيضاء من السماء فتحرقه حيث لا غلول وخص هذه الأمة المرحومة بالقسمة بينهم كأكل لحم القربان فإن الله أحله لهم زيادة في أرزاقهم ولم يحله لمن قبلهم من الأمم "وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً" يعني : أباح الله لأمتي الصلاة حيث كانوا تخفيفاً لهم وأباح التيمم بالتراب عند فقد الماء ولم يبح الصلاة للأمم الماضية إلا في كنائسهم ولم يجز التطهر لهم إلا بالماء "وأرسلت إلى الخلق كافة" أي : في زمنه وغيره ممن تقدم أو تأخر بخلاف رسالة نوح عليه السلام فإنها وإن كانت عامة لجميع أهل الأرض لكنها خصت بزمانه.
قال في "إنسان العيون" : والخلق يشتمل الإنس والجن والملك والحيوانات والنبات والحجر.
قال الجلال السيوطي : وهذا القول أي : إرساله للملائكة رجحته في كتاب "الخصائص" : وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه مرسل لجميع الأنبياء والأمم السابقة من لدن آدم إلى قيام الساعة ورجحه أيضاً البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات وزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه وذهب جمع إلى أنه لم يرسل للملائكة منهم الحافظ العراقي والجلال المحلي وحكى الفخر الرازي في تفسيره والبرهان النسفي فيه الإجماع فيكون قوله عليه السلام :"أرسلت إلى الخلق كافة" وقوله تعالى :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿لِيَكُونَ لِلْعَـالَمِينَ نَذِيرًا﴾ (الفرقان : ١) من العام المخصوص ولا يشكل عليه حديث سلمان رضي الله عنه إذا كان الرجل في أرض وأقام الصلاة صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده لأنه يجوز أن يكون ذلك صادراً عن بعثته إليهم.
يقول الفقير دل كونه أفضل المخلوقات على عموم بعثته لجميع الموجودات ولذا بشر بمولده أهل الأرض والسماء وسلموا عليه حتى الجماد بفصيح الأداء فهو رحمة للعالمين ورسول إلى الخلق أجمعين، قال حضرة الشيخ العطار قدس سره :
داعى ذرات بود آن اك ذات
در كفش تسبيح ازان كفتى حصات
قال بعضهم :
ترا دادند منشور سعادت
وزان س نوع انسان آفريدند
رى را جمله درخيل تو كردند
س آنكاهى سليمان آفريدند
وختم به النبيون أي : فلا نبي بعده ولا مشرعاً ولا متابعاً كما بين في سورة الأحزاب.
وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى أن إرسال ماهية وجودك التي عبرت عنها مرة بنوري وتارة بروحي من كتم العدم إلى عالم الوجود لم يكن منا إلا لتكون بشيراً ونذيراً للناس كافة من أهل الأولين والآخرين والأنبياء والمرسلين وإن لم يخلقوا بعد لاحتياجهم لك من بدء الوجود في هذا الشأن وغيره إلى الأبد كما قال صلى الله عليه وسلّم "الناس محتاجون إلى شفاعتي حتى أبى
٢٩٥