﴿فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِى كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ قَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ﴾.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَإِذَا تُتْلَى﴾ أي : تقرأ قراءة متتابعة بلسان الرسول عليه السلام ﴿عَلَيْهِمْ﴾ أي : على مشركي مكة ﴿ءَايَـاتِنَا﴾ القرآنية حال كونها ﴿بَيِّنَـاتٍ﴾ واضحات الدلالة على حقية التوحيد وبطلان الشرك ﴿قَالُوا﴾ مشيرين إلى النبي عليه السلام ﴿مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ﴾ تنكيره للتهكم والتلهي وإلا فرسول الله كان علماً مشهوراً بينهم ﴿يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ﴾ أي : يمنعكم ويصرفكم ﴿عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ﴾ من الأصنام منذ أزمنة متطاولة فيستتبعكم بما يستبدعه من غير أن يكون هناك دين إلهي يعني :(مدعاى او آنست كه شما ازبت رستيدن منع كند
٣٠٤
ويدين وآيين كه احداث كرده در آورد وتابع خود سازد) وإضافة الآباء إلى المخاطبين لا إلى أنفسهم لتحريك عرق العصبية منهم مبالغة في تقريرهم على الشرك وتنفيرهم عن التوحيد ﴿وَقَالُوا مَا هَـاذَآ﴾ القرآن ﴿إِلا إِفْكٌ﴾ كلام مصروف عن جهته لعدم مطابقة ما فيه من التوحيد والبعث الواقع ﴿مُّفْتَرًى﴾ بإسناده إلى الله تعالى والافتراء الكذب عمداً قالوه عناداً ومكابرة وإلا فقد قال كبيرهم عتبة بن ربيعة والله ما هو شعر ولا كهانة ولا سحر ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ﴾ أي : للقرآن على أن العطف لاختلاف العنوان بأن يراد بالأول معناه وبالثاني نظمه المعجز ووضع المظهر موضع المضمر إظهاراً للغضب عليهم ودلالة على أن هذا لا يجترىء عليه إلا المتمادين في الكفر المنهمكون في الغي والباطل ﴿لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ من الله تعالى ومعنى التوقع في لما أنهم كذبوا به وجحدوه على البديهة ساعة أتاهم وأول ما سمعوه قبل التدبر والتأمل ﴿ءَانٍ﴾ بمعنى ما النافية ﴿هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ظاهر سحريته لا شبهة فيه.
والسحر من سحر يسحر إذا خدع أحداً وجعله مدهوشاً متحيراً وهذا إنما يكون بأن يفعل الساحر شيئاً يعجز عن فعله وإدراكه المسحور عليه كما في "شرح الأمالي".
وقال الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في "الفتوحات المكية" : السحر مأخوذ من السحر وهو ما بين الفجر الأول والفجر الثاني واختلاطته وحقيقته اختلاط الضوء والظلمة فما هو بليل لما خالطه من ضوء الصبح ولا هو بنهار لعدم طلوع الشمس للأبصار فكذلك ما فعله السحرة ما هو باطل محقق فيكون عدماً فإن العين أدركت أمراً ما لا تشك فيه ولا هو حق محض فيكون له وجود في عينه فإنه ليس هو في نفسه كما تشهد العين ويظنه الرائي انتهى.
قال الشيخ الشعراني في الكبريت الأحمر : هو كلام نفيس ما سمعنا مثله قط.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ قَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَـاذَآ إِلا إِفْكٌ مُّفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ * وَمَآ ءَاتَيْنَـاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ * وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَآ ءَاتَيْنَـاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِى فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾.
﴿وَمَآ ءَاتَيْنَـاهُم﴾ أي : مشركي مكة ﴿مِن كِتَـابِ﴾ أي : كتباً فإن من الاستغراقية داخلة على المفعول لتأكيد النفي ﴿يَدْرُسُونَهَا﴾ يقرأونها فيها دليل على صحة الإشراك كما في قوله تعالى :﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِه يُشْرِكُونَ﴾ (الروم : ٣٥) وقوله :﴿أَمْ ءَاتَيْنَـاهُمْ كِتَـابًا مِّن قَبْلِه فَهُم بِه مُسْتَمْسِكُونَ﴾ وفي إيراد كتب بصيغة الجمع تنبيه على أنه لا بد لمثل تلك الشبهة من نظائر الأدلة والدرس قراءة الكتاب بإمعان النظر فيه طلباً لدلك معناه والتدريس تكرير الدرس.
قال الراغب في "المفردات" : درس الشيء معناه بقي أثره وبقاء الأثر يقتضي إنمحاءه في نفسه ولذلك فسر الدروس بالإنمحاء وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ﴾ يدعوهم إلى الشرك وينذرهم بالعقاب على تركه وقد بان من قبل أن لا وجه له بوجه من الوجوه فمن أين ذهبوا هذا المذهب الزائغ وهو تجهيل لهم وتسفيه لآرائهم ثم هددهم بقوله :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٢٥٨