دوزخ) والاصطراخ افتعال من الصراخ وهو الصياح بجهد وشدة دخلت الطاء فيه للمبالغة كدخولها في الاصطبار والاصطناع والاصطياد استعمل في الاستغاثة بالفارسية (فرياد خواستن وشفاعت كردن خواستن) لجهر المستغيث صوته ﴿رَبَّنَآ﴾ بإضمار القول يقولون ربنا ﴿أَخْرِجْنَا﴾ من النار وخلصنا من عذابها وردنا إلى الدنيا ﴿نَعْمَلْ صَـالِحًا﴾ (عمل بسنديده) أي : نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية وذلك لأن قبول الأعمال مبني على الإيمان ﴿غَيْرَ الَّذِى كُنَّا نَعْمَلُ﴾ قيدوا العمل الصالح بهذا الوصف إشعاراً بأنهم كانوا يحسبون ما فعلوه صالحاً والآن تبين خلافه إذ كان هوى وطبعاً ومخالفة يعني :(اكنون عذاب را معاينه ديديم ودانستيم كه كردارمادر دنيا شايسته نبود) ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾ جواب من جهته تعالى وتوبيخ لهم والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام (والتعمير : زندكانى دادن) والعمر اسم لمدة عمارة البدن بالحياة وما نكرة موصوفة أو مصدر يراد به الزمان كقولك آتيك غروب الشمس (والتذكر : ندكر فتن) والمعنى ألم نعطكم مهلة ولم نعمركم عمراً أو تعميراً أو وقتاً وزمناً يتذكر فيه من تذكر وإلى الثاني مال الكاشفي حيث قال بالفارسية :(آيا زندكانى نداديم وعمر ارزانى نداشتيم شمارا آن مقدار ندكيريد ودران عمر هركه خواهد كه ند كيرد) ومعنى يتذكر فيه أي : يتمكن فيه المتذكر من التذكر والتفكر لشأنه وإصلاح حاله وإن قصر إلا أن التوبيخ في المطاولة أعظم يعني إذا بلغ حد البلوغ يفتح الله له نظر العقل فيلزم حينئذٍ على المكلف أن ينظر بنظر العقل إلى المصنوعات فيعرف صانعها ويوحده ويطيعه فإذا بلغ إلى الثماني عشرة أو العشرين أو ما فوق ذلك يتأكد التكليف ويلزم الحجة أشد من الأول وفي الحديث "اعذر الله إلى امرىء وأخر أجله حتى بلغ ستين سنة" أي : أزال عذره ولم يبق منه موضعاً للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يتعذر ولعل تعيين الستين ما قال عليه السلام :"أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" وأقلهم من يجوز ذلك فإذا بلغ الستين وجاوزها كانت السبعون آخر زمان التذكر لأن ما بعدها زمان الهرم وفي الحديث :"إنملكاً ينادي كل يوم وليلة أبناء الأربعين زرع قد دنا حصاده وأبناء الستين ما قدمتم وما عملتم وأبناء السبعين هلموا إلى الحساب".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
وكان الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس سره : إذا قام إليه شاب ليتوب يقول : يا هذا ما جئت حتى طلبوك ولا قدمت من سفر الجفاء حتى استحضروك يا هذا ما تركناك لما تركتنا ولا نسيناك لما نسيتنا أنت في إعراضك وعيننا تحفظك ثم حركناك لقربنا وقدمناك لأنسنا.
وكان إذا قام إليه شيخ ليتوب يقول يا هذا أخطأت وأبطأت كبر سنك وتمردجنك هجرتنا في الصبى فعذرناك وبادرتنا في الشباب فمهلناك فلما قاطعتنا في المشيب مقتناك فإن رجعت إلينا قبلناك.
ذل زدنيا زودتر كردد جوانا نرا خنك
كهنكى از سردىء آبست مانع كوزه را
وكان جماعة من الصحابة ومن بعدهم إذا بلغ أربعين سنة أو رأى شيباً بالغ في الاجتهاد وطوى الفراش وأقبل على قيام الليل وأقل معاشرة الناس ولا فرق في ذلك بين الأربعين فما دونها
٣٥٥
لأن الأجل مكتوم لا يدري متى يحل أيقظنا الله وإياكم من رقدة الغافلين ﴿وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ عطف على الجملة الاستفهامية لأنها في معنى قد عمرناكم حيث أن همزة الإنكار إذا دخلت على حرف النفي أفادت التقرير كما في قوله تعالى :﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا﴾ (الانشراح : ١) الخ لأنه في معنى قد شرحنا الخ.
والمراد بالنذير رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه الجمهور أو ما معه من القرآن أو العقل فإنه فارق بين الخير والشر أو موت الأقارب والجيران والإخوان أو الشيب وفيه أن مجيىء الشيب ليس بعام للجميع عموم ما قبله.
قال الكاشفي :(وأكثر علما برآنند كه مراد از نذير شيب است ه زمان شيب فلارو نشاننده شعله حياتست وموسم يرى زنك فزاينده آيينه ذات) :
نوبت يرى و زند كوس درد
دل شود ازخوشد لى وعيش فرد
درتن واندام در آيد شكست
لرزه كند اى زسستى ودست
موى سفيد از اجل آرد يام
شت خم ازمرك رساند سلام
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١


الصفحة التالية
Icon