﴿وَمَكْرَ السَّيِّىاِ﴾ عطف على استكباراً أو على نفوراً وأصله أن مكروا المكر السيىء فحذف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر ثم أضيف اتساعاً.
قال في "تاج المصادر" :(المكر : تاريك شدن شب) ومنه اشتق المكر لأنه السعي بالفساد في خفية.
وقال الراغب : المكر صرف الغير عما يقصده بحيلة وذلك ضربان محمود وهو أن يتحرى بذلك فعل جميل وعلى ذلك قوله :﴿وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـاكِرِينَ﴾ ومذموم وهو أن يتحرى به فعل قبيح انتهى ومنه الآية ولذا وصف بالسيىء والمعنى ما زادهم إلا المكر السيىء في دفع أمره عليه السلام بل وفي قتله وإهلاكه وبالفارسية :(وآنكه مكر كردند مكرى بد يعنى حيله انديشيدند درهلاك كردن آن تدبير) ﴿وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ﴾.
قال في "القاموس" : حاق به يحيق حيقاً وحيوقاً وحيقاناً أحاط به كأحاق وحاق بهم العذاب أحاط ونزل كما في "المختار" والحيق ما يشتمل على الإنسان من مكروه فعله والمعنى ولا يحيط المكر السيىء إلا بأهله وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر وبالفارسية :(وأحاطه نميكنند مكر بدمكر باهل وى يعنى مكر هر ما كرى بوى احاطه كند واطراف وجوانب وى فرو كيرد وهره در باب قصد كسى انديشيده باشد در باره خود مشاهد نمايد).
قال في "بحر العلوم" : المعنى إلا حيقاً ملصقاً بأهله وهو استثناء مفرغ فيجب أن يقدر له مستثنى منه عام مناسب له من جنسه فيكون التقدير ولا يحيق المكر السيىء حيقاً إلا حيقاً بأهله وفي الحديث :"لا تمكروا ولا تعينوا ماكراً فإن الله يقول ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله ولا تبغوا ولا تعينوا باغياً فإن الله يقول إنما بغيكم على أنفسكم" وأما قوله عليه السلام :"أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" فمعناه بالنسبة إلى نصرة الظالم أن تنصره على إبليس الذي يوسوس في صدره بما يقع منه في الظلم بالكلام الذي تستحليه النفوس وتنقاد إليه فتعينه على رد ما وسوس إليه الشيطان من ذلك وفي حديث آخر "المكر والخديعة في النار" يعني : أصحابهما لأنهما من أخلاق الكفار لا من أخلاق المؤمنين الأخيار وفي أمثالهم من حفر لأخيه جباً وقع فيه منكباً فلا يصيب الشر إلا أهل الشر (وابن باميين را درين باب قطعه است اين دو بيت اينجا ثبت افتاد) :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣١١
درباب من زروى حسد يكدو ناشناس
دمها زدند وكوره تزوير تافتند
زاعمال نفسهم همه نيكى بمن رسيد
وايشان جزاى فعل بدخويش يافتند
جعلنا الله وإياكم ممن صفا قلبه من الغل والكدر وحفظنا من الوقوع في الخطر ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ النظر هنا بمعنى الانتظار أي : ما ينتظرون وبالفارسية :(س آيا انتظار ميبرند مكذبان ومكاران يعنى نمى برند وشم نمى دارند) ﴿اسْتِكْبَارًا فِى الأرْضِ﴾ أي : سنة الله في الأمم المتقدمة بتعذيب مكذبيهم وماكريهم.
والسنة الطريقة وسنة النبي طريقته التي كان يتحراها وسنة الله طريقة حكمته ﴿فَلَن﴾ الفاء لتعليل ما يفيده الحكم بانتظارهم العذاب من مجيئه ﴿تَجِدَ﴾ (س نيابى توالبته) ﴿لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾ بأن يضع موضع العذاب
٣٦١
غير العذاب هو الرحمة والعفو ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾ بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم (والتحويل : بكردانيدن) ونفي وجدان التبديل والتحويل عبارة عن نفي وجودهما بالطريق البرهاني وتخصيص كل منهما بنفي مستقل لتأكيد انتفائهما.
وفي الآية تنبيه على أن فروع الشرائع وإن اختلفت صورها فالغرض المقصود منها لا يختلف ولا يتبدل وهو تطهير النفس وترشيحها للوصول إلى ثواب الله وجواره كما في "المفردات".
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِى الأرْضِ﴾ الهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر أي : اقعد مشركوا مكة في مساكنهم ولم يسيروا ولم يمضوا في الأرض إلى جانب الشام واليمن والعراق للتجارة ﴿فَيَنظُرُوا﴾ بمشاهدة آثار ديار الأمم الماضية العاتية ﴿كَيْفَ كَانَ عَـاقِبَةُ الَّذِينَ﴾ جاءوا ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي : هلكوا لما كذبوا الرسل وآثار هلاكهم باقية في ديارهم ﴿وَكَانُوا﴾ أي : والحال أن الذين من قبلهم كعاد وثمود وسبأ كانوا ﴿أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ (سخترين ازمكيان ازروى توانايى) وأطول أعماراً فما نفعهم طول المدى وما أغنى عنهم شدة القوى ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَه مِن شَىْءٍ﴾ (الاعجاز : عاجز كردن) واللام ومن لتأكيد النفي والمعنى استحال من كل الوجوه أن يعجز الله تعالى شيء ويسبقه ويفوته ﴿فِى السَّمَـاوَاتِ وَلا﴾ تأكيد آخر لما النافية ففي هذا الكلام ثلاثة تأكيدات ﴿فِى الأرْضِ﴾ (س هره خواهد كند وكسى بر حكم او يشى نكيرد) ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كَانَ عَلِيمًا﴾ بليغ العلم بكل شيء في العالم مما وجد ويوجد ﴿قَدِيرًا﴾ بليغ القدرة على كل ممكن ولذلك علم بجميع أعمالهم السيئة فعاقبهم بموجبها فمن كان قادراً على معاقبة من قبلهم كان قادراً على معاقبتهم إذا كانت أعمالهم مثل أعمالهم والآية وعظ من الله تعالى ليعتبروا :


الصفحة التالية
Icon