قال إمام الحرمين وغيره من الفضلاء : لا خلاف أن الشمس تغرب عند قوم وتطلع عند قوم آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند قوم آخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين أبداً والأرض مدورة مسيرة خمسمائة عام كأنها نصف كرة مدورة فيكون وسطها أرفع ولذلك سموا الجزيرة التي هي وسط الأرض كلها المستوي فيها الليل والنهار قبة الأرض وحول الأرض البحر الأعظم المحيط فيها ماء غليظ منتن لا تجري فيه المراكب وحول هذا البحر جبل قاف خلق من زمرد أخضر وسماء الدنيا مقبية عليه ومنه خضرتها.
وسئل الشيخ أبو حامد رضي الله عنه عن بلاد بلغار كيف يصلون لأن الشمس لا تغرب عندهم إلا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع فقال : يعتبر صومهم وصلاتهم بأقرب البلاد إليهم والأصح عند أكثر الفقهاء أنهم يقدرون الليل والنهار ويعتبرون بحسب الساعات كما قال عليه السلام في حق الدجال :"يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة فيقدر الصلاة والصيام في زمنه" ﴿ذَالِكَ﴾ الجري البديع المنطوي على الحكم العجيبة التي تتحير في فهمها العقول والافهام ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ الغالب بقدرته على كل مقدور ﴿الْعَلِيمِ﴾ المحيط علمه بكل معلوم.
قال في "المفردات" : التقدير تبيين كمية الشيء.
وتقدير الله الأشياء على وجهين :"أحدهما" : بإعطاء القدرة.
"والثاني" : أن يجعلها على مقدار مخصوص ووجه مخصوص حسبما اقتضته الحكمة.
وذلك أن فعل الله ضربان : ضرب أوجده بالفعل ومعنى إيجاده بالفعل إظهاره.
وضرب إجراه بالقوة وقدره على وجه لا يتأتى غير ما قدر فيه كتقديره في النواة أن ينبت منها النخل دون التفاح والزيتون وتقدير مني الآدمي أن يكون منه الإنسان دون سائر الحيوانات.
فتقدير الله على وجهين : أحدهما بالحكم منه أن يكون كذا ولا يكون كذا إما على سبيل الوجوب وإما على سبيل الإمكان.
والثاني بإعطاء القدرة عليه.
وفي الآية إشارة إلى شمس نور الله فإنها ﴿تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ وهو قلب استقر فيه رشاش نور الله ﴿ذَالِكَ﴾ المستقر ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ الذي لا يهتدي إليه أحد إلا به ﴿الْعَلِيمِ﴾ الذي يعلم حيث يجعل رسالته فليس كل قلب مستقراً لذلك النور فلا بد من التهيئة والتصقيل إلى أن يتلطف ويزول منه كل ثقيل مما يتعلق بظلمات الكون والفساد.
٣٩٨
كوهر انواررا دلهاى اك آمد صدق†
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَـاهُ﴾ بالنصب بإضمار فعل يفسره الظاهر كما في زيداً ضربته أي : وقدرنا القمر قدرناه أي : قدرنا له وعينا ﴿مَنَازِلَ﴾ وهي ثمان وعشرون مقسومة على الاثني عشر برجاً كما استوفينا الكلام عليها في أوائل سورة يونس ينزل القمر كل ليلة في واحدة من تلك المنازل لا يتخطاها ولا يتقاصر عنها فإذا كان في آخر منازله دق واستقوس ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين أو ليلة إن كان تسعة وعشرين وقد صام عليه السلام ثمانية أو تسعة رمضانات خمسة منها كانت تسعة وعشرين يوماً والباقي ثلاثين وقد قال عليه السلام :"شهرا العيد لا ينقصان" أي : حكمهما إذا كانا تسعاً وعشرين مثل حكمهما إذا كانا ثلاثين في الفضل وقد صح أن دور هذه الأمة هو الدور القمري العربي الذي حسابه مبني على الشهر لا الدور الشمسي الذي مبني حسابه على الأيام ﴿حَتَّى عَادَ﴾ (تا عود كرد ماه).
وقال ابن الشيخ : حتى صار القمر في آخر الشهر وأول الشهر الثاني في دقته واستقواسه واصفراره ﴿كَالْعُرْجُونِ﴾ فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج وهو عود العذق ما بين شماريخه إلى منبته من النخلة.
والعذق بالكسر في النخل بمنزلة العنقود في الكرم بالفارسية (خوشه خرما).
والشماريخ جمع شمراخ او شمروخ ما عليه البسر من العيدان ﴿الْقَدِيمِ﴾ العتيق فإذا قدم وعتق دق وتقوس واصفر شبه به القمر في آخر الشهر في هذه الوجوه الثلاثة أي : في عين الناظر وإن كان في الحقيقة عظيماً بنفسه فالقديم ما تقادم عهده بحكم العادة ولا يشترط في إطلاق لفظ القديم عليه مدة بعينها إذ يقال لبعض الأشياء قديم وإن لم يمض عليه حول وقيل أقل هذا القديم الحول فمن حلف كل مملوك قديم لي فهو حر عتق من مضى عليه الحول


الصفحة التالية
Icon