ويقال إن الله تعالى خلق ملائكة نصف أبدانهم من الثلج ونصفها من النار فلا الثلج يطفىء النار ولا النار تذيب الثلج.
وفي الآية إشارة إلى شجرة أخضر البشرية ونار المحبة فمصباح القلوب إنما يوقد منه.
قال بعض الكبار : ظاهر البدن من عالم الشهادة والقلب من عالم الملكوت وكما تنحدر من معارف القلب آثار إلى الجوارح فكذلك قد ترتفع من أحوال الجوارح التي هي من عالم الشهادة آثار إلى القلب والحاصل أنه ينقدح الظاهر بالأعمال فيحدث منها نور يتنور به البال ويزيد الحال.
ادخلوا الأبيات من أبوابها
واطلبوا الأغراض من أسبابها
نسأل الله الدخول في الطريق والوصول إلى منزل التحقيق
٤٣٩
﴿أَوَلَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ الهمزة للإنكار وإنكار النفي إيجاب والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام فهمزة الإنكار وإن دخلت على حرف العطف ظاهراً لكنها في التحقيق داخلة على كلمة النفي قصداً إلى إثبات القدرة له وتقريرها.
والمعنى : أليس القادر المقتدر الذي أنشأ الأناسي أول مرة وأليس الذي جعل لهم من الشجر الأخضر ناراً وأليس الذي خلق السموات أي : الإجرام العلوية وما فيها والأرض أي : الإجرام السفلية وما عليها مع كبر جرمهما وعظم شأنهما وبالفارسية :(ريانيست آنكس كه بيافريد آسمانها وزمينها بابزركى اجرام ايشان) ﴿بِقَـادِرٍ﴾ في محل النصب لأنه خبر ليس ﴿عَلَى أَن يَخْلُقَ﴾ في الآخرة ﴿مِثْلَهُم﴾ أي : مثل الأناسي في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما ويعيدهم أحياء كما كانوا فإن بديهة العقل قاضية بأن من قدر على خلقهما فهو على خلق الأناسي أقدر كما قال تعالى :﴿لَخَلْقُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ (غافر : ٥٧) أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد فإن المعاد مثل الأول في الاشتمال على الأجزاء الأصلية والصفات المشخصة وإن غايره في بعض العوارض لأن أهل الجنة جرد مرد وأن الجهنمي ضرسه مثل أحد وغير ذلك.
وقال شرف الدين الطيبي : لفظ مثل ههنا كناية عن المخاطبين نحو قولك مثلك يجود أي : على أن يخلقهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٣٦٤
وفي "التأويلات النجمية" : قال : إن الإعادة في معنى الابتداء فإذا قررتم بالابتداء فأي إشكال بقي في جواز الإعادة في الانتهاء ثم قال الذي قدر على خلق النار في الأغصان من المرخ والعفار قادر على خلق الحياة في الرمية البالية ثم زاد في البيان بأن قال القدرة على مثل الشيء كالقدرة عليه لاستوائهما بكل وجه وأنه يحيى النفوس بعد موتها في العرصة كما يحيي الإنسان من النطفة والطير من البيضة ويحيي القلوب بالعرفان لأهل الإيمان كما يحيي نفوس أهل الكفر بالهوى والطغيان.
دل عاشق وباغ وفيض حق ابر بهارآسا
حياة تازه بخشد حق دمادم باغ دلهارا
﴿بَلَى﴾ جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي وإيذان بتعين الجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الإلزام.
قال ابن الشيخ : هي مختصة بإيجاب النفي المتقدم ونقضه فهي ههنا لنقض النفي الذي بعد الاستفهام أي : بلى إنه قادر كقوله تعالى :﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ (الأعراف : ١٧٢) أي : بلى أنت ربنا.
وفي "المفردات" بلى جواب استفهام مقترن بنفي نحو ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾.
ونعم يقال في الاستفهام المجرد نحو :﴿فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ (الأعراف : ٤٤) ولا يقال ههنا بلى فإذا قيل ما عندي شيء فقلت : بلى فهو رد لكلامه فإذا قلت نعم فإقرار منك انتهى ﴿وَهُوَ الْخَلَّـاقُ الْعَلِيمُ﴾ عطف على ما يفيده الإيجاب أي : بلى هو قادر على ذلك والمبالغ في العلم والخلق كيفا وكماً.
وقال بعضهم : كثير المخلوقات والمعلومات يخلق خلقاً بعد خلق ويعلم جميع الخلق.
ـ ذكر البرهان الرشيدي ـ أن صفات الله تعالى التي على صيغة المبالغة كلها مجاز لأنها موضوعة للمبالغة ولا مبالغة فيها لأن المبالغة أن يثبت للشيء أكثر مما له وصفاته تعالى متناهية في الكمال لا يمكن المبالغة فيها.
وأيضاً فالمبالغة تكون في صفات تفيد الزيادة والنقصان وصفات الله منزهة عن ذلك واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي.
وقال الزركشي في "البرهان" : التحقيق إن صيغة المبالغة قسمان :
"أحدهما" : ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
"والثاني" : بحسب زيادة
٤٤٠