وجواب لما محذوف إيذاناً بعدم وفاء التعبير بتفاصيله كأنه قيل : كان ما كان مما لا يحيط به نطاق البيان من استبشارهما وشكرهماتعالى على ما أنعم به عليهما من رفع البلاء بعد حلوله والتوفيق لما لم يوفق أحد لمثله وإظهار فضلهما بذلك على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال بعض العارفين : الإنسان مجبول على حب الولد فاقتضت غيرة الخلة ومقام المحبة أن يقطع علاقة القلب عن غيره فأمر بذبح ولده امتحاناً واختباراً له ببذل أحب الأشياء في سبيل الله من غير توقف وإشعاراً للملائكة بأنه خليل الله لا يسعه غير الحق فليس المبتغى منه تحصيل الذبح إنما هو إخلاء السر عنه وترك عادة الطبع.
وقال المولى الجامي : غلبت عليه محبة الحق حتى تبرأ من أبيه في الحق ومن قومه وتصدى لذبح ابنه في سبيل الله وخرج عن جميع ماله مع كثرته المشهورةتعالى.
ـ ورد ـ في الخبر : أنه كان له خمسة آلاف قطيع من الغنم فتعجب الملائكة من كثرة ماله مع خلته العظيمة عند الله فخرج يوماً خلف غنمه وكلاب قطائع الأغنام عليها أطواق الذهب فطلع ملك في صورة آدمي على شرف الوادي فسبح قائلاً : سبوح قدوس رب الملائكة والروح فلما سمع الخليل تسبيح حبيبه أعجبه وشوّقه نحو لقائه فقال : يا إنسان كرر ذكر ربي فلك نصف مالي فسبح
٤٧٥
بالتسبيح المذكور فقال : كرر تسبيح خالقي فلك جميع أموالي مما ترى من الأغنام والغلمان وكانوا خمسة آلاف غلام فأنصفت الملائكة وسلمت بخلته كما سلمت بخلافة آدم وهذا من جملة الأسرار التي جعل بها أباً ثانياً لنا.
يقول الفقير أغناه الله القدير : سمعت من شيخي قدس سره إنه قال : إن إبراهيم له الإحراز بجميع مراتب التوحيد من الأفعال والصفات والذات وذلك لأن الحجب الكلية ثلاثة هي المال والولد والبدن فتوحيد الأفعال إنما يحصل بالفناء عن المال وتوحيد الصفات بالفناء عن الولد وتوحيد الذات بالفناء عن الجسم والروح فتلك الحجب على الترتيب بمقابلة هذه المقامات من التوحيد فأخذ الله من إبراهيم المال تحقيقاً للتوحيد الأول وابتلاه بذبح الولد تحقيقاً للتوحيد الثاني وبجسمه حين رمى به في نار نمرود تحقيقاً للتوحيد الثالث فظهر بهذا كله فناؤه في الله وبقاؤه بالله حققنا الله وإياكم بحقيقة التوحيد وأوصلنا وإياكم إلى سر التجريد والتفريد ﴿إِنَّا كَذَالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ﴾ تعليل لتفريج تلك الكربة عنهما بإحسانهما واحتج به من جوز النسخ قبل وقوع المأمور به فإنه عليه السلام كان مأموراً بالذبح ولم يحصل.
قال في "الأسئلة المقحمة" وهذه القصة حجة على المعتزلة فإن الآية تدل على أن الله تعالى قد يأمر بالشيء ولا يريده فإنه تعالى أمر إبراهيم بذبح ولده ولم يرد ذلك منه والمعتزلة لا يجوزون اختلاف الأمر والإرادة ﴿إِنْ هَـاذَآ﴾ (بدرستى كه اين كار) ﴿لَهُوَ الْبَلَـاؤُا الْمُبِينُ﴾ الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره أو المحنة البينة الصعوبة إذ لا شيء أصعب منها.
قال البقلى أخبر سبحانه وتعالى أن هذا بلاء في الظاهر ولا يكون بلاء في الباطن لأن في حقيقته بلوغ منازل المشاهدات وشهود أسرار حقائق المكاشفات وهذا من عظائم القربات وأصل البلاء ما يحجبك عن مشاهدة الحق لحظة ولم يقع هذا البلاء بين الله وبين أحبابه قط فالبلاء لهم عين الولاء.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
قال الحريري : البلاء على ثلاثة أوجه على المخالفين نقم وعقوبات وعلى السابقين تمحيص وكفارات وعلى الأولياء والصديقين نوع من الاختبارات.
جاميا دل بغم ودرد نه اندرره عشق
كه نشد مردره آنكس كه نه اين درد كشيد
﴿وَفَدَيْنَـاهُ بِذِبْحٍ﴾ بما يذبح بدله فيتم به الفعل المأمور وهو فرى الأوداج وإنهار الدم أي : جعلنا الذبح بالكسر اسم لما يذبح فداء له وخلصناه به من الذبح وبالفارسية :(وفدا داديم اسماعيل را بكبشى) والفادي في الحقيقة هو إبراهيم وإنما قال وفديناه لأنه تعالى هو المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإسناد ﴿عَظِيمٍ﴾ أي : عظيم الجثة سمين وهي السنة في الأضاحي كما قال عليه السلام :"عظموا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم" أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين.
وفي "التأويلات النجمية" : إنما سمي الذبح عظيماً لأنه فداء نبيين عظيمين أحدهما أعظم من الآخر وهما إسماعيل ومحمد عليهما السلام لأنه كان محمد في صلب إسماعيل انتهى.
وفي "أسئلة الحكم" : لم عظَّم الله الذبح مع أن البدن أعظم في القربان من الكبش لأنها تنوب عن سبعة الجواب لشدة المناسبة بين الكبش وبين النفس المسلمة الفانية في الله فإنه خلق مستسلماً للذبح فحسب فيكون الكبش في الآخرة صورة الموت يذبح على الصراط كما كان صورة الفناء الكلي والتسليم والانقياد ولذلك المعنى عظمه الله تعالى لأن فضل كل
٤٧٦