وفي كلام الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر قد اجتمعت بجماعة من قوم يونس سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالأندلس حيث كنت فيه وقست أثر رجل واحد منهم في الأرض فرأيت طول قدمه ثلاثة أشبار وثلثي شبر انتهى.
ولما بعث إليهم دعاهم إلى التوحيد أربعين سنة وكانوا يعبدون الأصنام فكذبوه وأصروا على ذلك فخرج من أظهرهم وأوعدهم حلول العذاب بهم بعد ثلاث أو بعد أربعين ليلة ثم إن قومه لما أتاهم إمارات العذاب بأن أطبقت السماء غيماً أسود يدخن دخاناً شديداً ثم يهبط حتى يغشى مدنيتهم حتى صار بينهم وبين العذاب قدر ميل أخلصوا الله تعالى بالدعاء والتضرع بأن فرقوا بين الأمهات والأطفال وبين الاتن والجحوش وبين البقر والعجول وبين الإبل والفصلان وبين الضأن والحملان وبين الخيل والإفلاء ولبسوا المسوح ثم خرجوا إلى الصحراء متضرعين ومستغفرين حتى ارتفع الضجيج إلى السماء فصرف الله عنهم العذاب وقبل توبتهم ويونس ينتظر هلاكهم فلما أمسى سأل محتطباً مر بقومه كيف كان حالهم فقال : هم سالمون وبخير وعافية وحدثه بما صنعوا فقال : لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم وخرج من ديارهم مستنكفاً خجلاً منهم ولم ينتظر الوحي وتوجه إلى جانب البحر وذلك قوله تعالى :﴿إِذْ أَبَقَ﴾ أي : أذكر وقت إباقه أي : هربه وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه بطريق المجاز تصويراً لقبحه فإنه عبد الله فكيف يفر بغير الإذن وإلى أين يفر والله محيط به وقد صح أنه لا يقبل فرض الآبق ولا نفله حتى يرجع فإذا كان الأدنى مأخوذاً بزلة فكيف الأعلى.
﴿إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ أي : المملوء من الناس
٤٨٦
والدواب والمتاع ويقال المجهز الذي فرغ من جهازه يقال شحن السفينة ملأها كما في "القاموس".
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
ـ روي ـ أن يونس لما دخل السفينة وتوسطت البحر احتبست عن الجري ووقفت فقال الملاحون : هنا عبد آبق من سيده وهذا رسم السفينة إذا كان فيها عبد آبق لا تجرى.
وقال الإمام فقال الملاحون : إن فيكم عاصياً وإلا لم يحصل في السفينة ما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر وقال التجار : قد جربنا مثل هذا فإذا رأينا نقترع فمن خرج سهمه نرميه في البحر لأن غرق الواحد خير من غرق الكل فاقترعوا ثلاث مرات فخرجت القرعة على يونس في كل مرة وذلك قوله تعالى :﴿فَسَاهَمَ﴾ المساهمة المقارعة يعني :(باكسى قرعه زدن) والسهم ما يرمي به من القداح ونحوه.
والمعنى فقارع أهل الفلك من الآبق وألقوا السهام على وجه القرعة.
والمفهوم من تفسير الكاشفي أن الضمير إلى يونس يعني :(يونس قرعه زد باهل كشتى سه نوبت) ﴿فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ فصار من المغلوبين بالقرعة وأصله المزلق عن مقام الظفر والغلبة.
قال في "القاموس" : دحضت رجله زلقت والشمس زالت والحجة دحوضاً بطلت انتهى.
فالإدحاض بالفارسية :(باطل كردن حجت) وحين خرجت القرعة على يونس قال : أنا العبد الآبق أو يا هؤلاء أنا والله العاصي فتلفف في كسائه ثم قام على رأس السفينة فرمى بنفسه في البحر يعني :(يونس كليم در سرخود كشيده خود رادربحر افكند) ﴿فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ﴾ الإلتقام الابتلاع يعني :(لقمه كردن وفرو بردن) يقال لقمت اللقمة والتقمتها إذا ابتلعتها أي : فابتلعه السمك العظيم.
قال الكاشفي :(حق تعالى وحي فرستاد بما هي كه در آخرين ديارها باشد تايش كشتى رمده دهن بازكرده).
وقال في "كشف الأسرار" : فصادفه حوت جاء من قبل اليمن فابتلعه فسفل به إلى قرار الأرضين حتى سمع تسبيح الحصى ﴿وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ حال من مفعول التقمه أي : داخل في الملامة ومعنى دخوله في الملامة كونه يلام سواء استحق اللوم أم لا وأتى بما يلام عليه فيكون المليم بمعنى من يستحق اللوم سواء لاموه أم لا يقال : ألام الرجل إذا أتى بما يلام عليه أو يلوم نفسه يعني :(واوملامت كننده بود نفس خودراكه را ازقوم كريختى) فالهمزة على هذا للتعدية لا على التقديرين الأولين.


الصفحة التالية
Icon