يقول الفقير : وجهه أن إلياس ويونس سواء في أن كلاً منهما ليس من أرباب الشرائع الكبار وأولى العزم من الرسل فلا بد لتخصيص أحدهما بالسلام من وجه وأن التسليم المذكور في آخر السورة شامل لكل من ذكر هنا ومن لم يذكر فحينئذٍ كان الظاهر أن يقتصر على ذكر سلام نوح ونحوه ثم يعمم عليهم وعلى غيرهم ممن لم يكن في درجتهم ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ﴾ (س رس از ايشان) أي : إذا كان الله موصوفاً بنعوت الكمال والعظمة والجلال متفرداً بالخلق والربوبية وجميع الأنبياء مقرين بالعبودية داعين للعبيد إلى حقيقة التنزيه والتوحيد فاستخبر على سبيل التوبيخ والتجهيل قريشاً وبعض طوائف العرب نحو جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح فإنهم كانوا يقولون إن الله تعالى تزوج من الجن فخرجت منها الملائكة فهم بنات الله ولذا يسترهن من العيون فأثبتوا الأولادتعالى ثم زعموا أنها من جنس الإناث لا من جنس الذكور وقسموا القسمة الباطلة حيث جعلوا الإناثتعالى وجعلوا الذكور لأنفسهم فإنهم كانوا يفتخرون بذكور الأولاد ويستنكفون من البنات ولذا كانوا يقتلونهن ويدفنونهن حياء قال تعالى :﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالانثَى ظَلَّ وَجْهُه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ (النحل : ٥٨) الآية ومن هنا أنه من رأى في المنام أنه اسود وجهه فإنه يولد له بنت والذي يستنكف منه المخلوق كيف يمكن إثباته للخالق كما قال تعالى :﴿أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ﴾ اللاتي هن أوضع الجنسين ﴿وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾ الذين هم أرفعهما.
وفيه تفضيل لأنفسهم على ربهم وذلك مما لا يقول به من له أدنى شيء من العقل وهذا كقوله تعالى :﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الانثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾ (النجم : ٢١ ـ ٢٢) أي : قسمة جائرة غير عادلة.
وفيه إشارة إلى كمال جهالة الإنسان وضلالته إذا وكل إلى نفسه الخسيسة وخلي إلى طبيعته الركيكة إنه يظن بربه ورب العالمين نقائص لا يستحقها أدنى عاقل بل غافل من أهل الدنيا :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤
برى ذاتش ازتهمت ضد وجنس
غنى ذاتش از تهمت جن وانس
نه مستغنى از طاعتش شت كست
نه برحرف اوجاى انكشت كس
ثم انتقل إلى تبكيت آخر فقال :﴿أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إِنَـاثًا﴾ الإناث ككتاب جمع الأنثى أي : بل أم خلقنا الملائكة الذين هم من أشرف الخلائق وأبعدهم من صفات الأجسام ورذائل الطبائع إناثاً والأنوثة من أخس صفات الحيوان ولو قيل لأدناهم فيك أنوثة لتمزقت نفسه
٤٩١
من الغيظ لقائله ففي جعلهم الملائكة أناثاً استهانة شديدة بهم ﴿وَهُمْ شَـاهِدُونَ﴾ حال من فاعل خلقنا مفيد للاستهزاء والتجهيل أي : والحال إنهم حاضرون حينئذٍ فيقدمون على ما يقولون فإن أمثال هذه الأمور لا تعلم إلا بالمشاهدة إذ لا سبيل إلى معرفتها بطريق العقل الصرف بالضرورة أو بالاستدلال إذ الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم بل من اللوازم الخارجية وانتفاء النقل مما لا ريب فيه فلا بد أن يكون القائل بأنوثتهم شاهداً أي : حاضراً عند خلقهم إذ أسباب العلم هذه الثلاثة فكيف جعلوهم إناثاً ولم يشهدوا خلقهم ثم استأنف فقال :﴿إِلا﴾ حرف تنبيه يعني :(بدانكه) ﴿إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ﴾ أي : من أجل كذبهم الأسوء وهو متعلق بقوله ﴿لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ﴾ (بزاد خداى تعالى يعني براى او بزادند آن) يعني مبني مذهبهم الفاسد ليس إلا الإفك الصريح والافتراء القبيح من غير أن يكون لهم دليل أو شبهة قطعاً.
والولد يعم الذكور والإناث والقليل والكثير وفيه تجسيم له تعالى وتجويز الفناء عليه لأن الولادة مختصة بالأجسام القابلة للكون والفساد ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ في قولهم ذلك كذباً بيناً لا ريب فيه ﴿أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ﴾ بفتح الهمزة على أنها همزة استفهام للإنكار والاستبعاد دخلت على ألف الافتعال أصله أاصطفى فحذفت همزة الافتعال التي هي همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام.
والاصطفاء أخذ صفوة الشي لنفسه أي : أتقولون أنه اختار البنات على البنين من نقصانهن رضي بالأخص الأدنى وبالفارسية :(آيا بركزيد خداى تعالى دخترانرا كه مكروه طباع شما اند به سران كه ماده افتخار واستظهار شما ايشانند) ﴿مَالَكُمْ﴾ أي : شيء لكم في هذه الدعوى.
وقال الكاشفي :(يست شمارا قسمت) ﴿كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ على الغني عن العالمين بهذا الحكم الذي تقضي ببطلانه بديهة العقول ارتدعوا عنه فإنه جور وبالفارسية :(كونه حكم ميكنيد ونسبت ميدهيد بخداى آنراكه براى خود نمى سنديد).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٤٤


الصفحة التالية
Icon