﴿يَمُدُّهُ﴾ أي : يزيده وينصب فيه من مد الدواة جعلها ذات مداد وزاده فيها فلذا أغنى عن ذكر المداد ﴿مِنا بَعْدِهِ﴾ أي : من بعد نفاده وفنائه ﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ نحو بحر الصين وبحر تبت كسكر على ما في "القاموس" وبحر الهند وبحر السند وبحر فارس وبحر الشرق وبحر الغرب والله أعلم.
قال في "أسئلة الحكم" : إن الله زين الدنيا بسبعة أبحر وسبعة أقاليم انتهى ولم يتعرضوا لتعداد الأبحر فيما رأينا وقد استخرجناها من موضعها بطريق التقريب وأجرينا القلم فيها ويحتمل أن يكون المراد الأنهار السبعة من الفرات ودجلة وسيحان
٩٤
وسيحون وجيحان وجيحون والنيل لأن البحر عند العرب هو الماء الكثير.
وقال الكاشفي :﴿سَبْعَةُ أَبْحُرٍ﴾ (هفت درياى ديكر مانند او) انتهى فيكون ذكر العدد للتكثير كما لا يخفى.
وفي "الإرشاد" إسناد المد إلى الأبحر السبعة دون البحر المحيط مع كونه أعظم منها وأطم لأنها هي المجاورة للجبال ومنابع المياه الجارية وإليها تنصب الأنهار العظام أولاً ومنها تنصب إلى البحر المحيط ثانياً.
والمعنى يمده الأبحر السبعة مداً لا ينقطع أبداً وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات الله ﴿مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـاتُ اللَّهِ﴾ أي : ما فنيت متعلقات علمه وحكمته ونفدت تلك الأقلام والمداد وقد سبق تحقيقه في أواخر سورة الكهف عند قوله تعالى :﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا﴾ (الكهف : ١٠٩) الآية وإيثار جمع القلة في الكلمات للإيذان بأن ما ذكر لا يفي بالقليل منها فكيف بالكثير.
وفي "التأويلات النجمية" : أي : لو أن ما في الأرض من الأشجار أقلام والبحر يصير مداداً وبمقدار ما يقابله ينفق القرطاس ويتكلف الكتاب حتى تنكسر الأقلام وتفنى البحار وتستوفي القراطيس وفنى عمر الكتاب ما نفدت معاني كلام الله تعالى لأن هذه الأشياء وإن كثرت فهي متناهية ومعاني كلامه لا تتناهى لأنها قديمة والمحصور لا يفي بما لا حصر له انتهى وقد قصر من جعل الأرض قرطاساً.
وفي الآية إشارة ظاهرة إلى قدم القرآن فإن عدم التناهي من خاصية القديم.
وجاء في حق القرآن "ولا تنقضي عجائبه" أي : لا ينتهي أحد إلى كنه معانيه العجيبة وفوائده الكثيرة.
وفي الآية إشارة أيضاً إلى أن كلمات الحكماء الإلهية وعلومهم لا تنقطع أبداً لأنها من عيون الحكمة كما أن ماء العين لا ينقطع عن عينه وكيف ينقطع وحكمة الحكيم تلقين من رب العالمين وفيض من خزائنه وخزائنه لا تنفد كما دلت عليه الآية ولبعض العارفين تجلي برقيّ يعطي في مقدار طرفة عين من العلوم ما لا نهاية له وإذا كان حاله هذا في جزء يسير من الزمان فما ظنك بحاله في مدة عمره ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يعجزه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يخرج عن علمه وحكمته أمر فلا تنفد كلماته المؤسسة عليهما.
وخاصية الاسم العزيز وجود الغنى والعز صورة ومعنى فمن ذكره أربعين يوماً في كل يوم أربعين مرة أغناه الله وأعزه فلم يحوجه إلى أحد من خلقه والتقرب بهذا الاسم في التمسك بمعناه وذلك برفع الهمة عن الخلائق وهو عزيز جداً.
وخاصية الاسم الحكيم دفع الدواهي وفتح باب الحكمة من أكثر ذكره صرف عنه ما يخشاه من الدواهي وفتح له باب من الحكمة والتقرب بهذا الاسم تعلقاً أن تراعي حكمته في الأمور مقدماً ما جاء شرعاً ثم عادة فتسلم من معارض شرعي وتخلقاً أن تكون حكيماً والحكمة في حقنا الإصابة في القول والعمل وقد سبق في أول قصة لقمان.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٢
واعلم أن في خلق البحار والأنهار والجزائر ونحوها حكماً ومصالح تدل على عظم ملكه تعالى وسعة سلطانه وليس من بر ولا بحر إلا وفيه خلق من الخلائق يعبد الله تعالى على أن الاسكندر وصل إلى جزيرة الحكماء وهي جزيرة عظيمة فرأى بها قوماً لباسهم ورق الشجر وبيوتهم كهوف في الصخر والحجر فسألهم مسائل في الحكمة فأجابوا بأحسن جواب وألطف خطاب لما أنهم من مظاهر الاسم الحكيم فقال لهم : سلوا حوائجكم لتقضى فقالوا له : نسألك
٩٥
الخلد في الدنيا فقال : وأنى به لنفسي ومن لا يقدر على نفس من أنفاسه كيف يبلغكم الخلد فقال كبيرهم : نسألك صحة في أبداننا ما يقينا فقال : وهذا أيضاً لا أقدر عليه قالوا فعرّفنا بقية أعمارنا فقال : لا أعرف ذلك لروحي فكيف بكم؟ فقالوا له : فدعنا نطلب ذلك ممن يقدر على ذلك وأعظم من ذلك وجعل الناس ينظرون إلى كثرة الجنود أي : جنود الاسكندر وعظمة موكبه وبينهم شيخ صعلوك لا يرفع رأسه فقال الإسكندر : مالك لا تنظر إلى ما ينظر إليه الناس؟ قال الشيخ : ما أعجبني الملك الذي رأيته قبلك حتى أنظر إليك وإلى ملكك فقال الاسكندر : وما ذاك؟ قال الشيخ : كان عندنا ملك وآخر صعلوك فماتا في يوم واحد فغبت عنهما مدة ثم جئت إليهما واجتهدت أن أعرف الملك من المسكين فلم أَعرفه فتركهم وانصرف.
قال الشيخ العطار قدس سره :
ه ملكت اين وتوه ادشاهى
كه باشير اجل بر مى نيايى
اكر تو في المثل بهرام زورى
بروزوا سين بهرام كورى
حوملك اين جهان ملكى رونده است